للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضًا لَهُ فِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حِيلَةٌ إلَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبِيعَهُ الزَّرْعَ، ثُمَّ يُؤَاجِرَهُ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا بَاعَهُ الزَّرْعَ ثُمَّ آجَرَهُ الْأَرْضَ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَرَى زَرْعَهُ فِيهَا وَإِذَا لَمْ يَبِعْهُ الزَّرْعَ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِ الْآجِرِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِقَلْعِ زَرْعِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ عَلَيْهِ فَلِهَذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ أَشْجَارٌ أَوْ بِنَاءٌ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَشْجَارَ أَوْ الْبِنَاءَ مِنْهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُؤَاجِرَ الْأَرْضَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

(رَجُلٌ) أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعُ صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ آجَرَ أَرْضًا لَا يُمْكِنُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَصَارَ كَمَا لَوْ آجَرَ أَرْضًا سَبْخَةً أَوْ أَرْضًا نَزَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ، إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ يَدَ رَبِّ الْأَرْضِ قَائِمَةٌ عَلَى الْأَرْضِ حُكْمًا لِكَوْنِ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالزَّرْعِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ وَقَدْ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ الْمُؤَاجِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصِحُّ، فَإِنْ طَلَبَ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ رَبُّ الْأَرْضِ الزَّرْعَ مِنْ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَوَّلًا ثُمَّ يُؤَاجِرَهُ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ بِالْبَيْعِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَنْتَفِعُ بِالْأَرْضِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَنْمُو زَرْعُهُ بِهَا فَقَدْ آجَرَ مَا يَقْدِرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَقَدْ زَالَ يَدُ الْآجِرِ عَنْ الْأَرْضِ حُكْمًا وَحَقِيقَةً فَقَدْ آجَرَ مَا يَقْدِرُ الْمُؤَاجِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَصِحُّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّمَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ إذَا كَانَ بَيْعُ الزَّرْعِ بَيْعَ رَغْبَةٍ وَجِدٍّ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْعَ هَزْلٍ وَتَلْجِئَةٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْعَ هَزْلٍ فَالزَّرْعُ لَا يَزُولُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَبْقَى الْحَالُ بَعْدَ بَيْعِ الزَّرْعِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، وَعَلَامَةُ كَوْنِ هَذَا الْبَيْعِ بَيْعَ رَغْبَةٍ وَجِدٍّ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الزَّرْعِ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ.

وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ بَيْعَ هَزْلٍ أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الزَّرْعِ مِقْدَارِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ مِقْدَارِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ بَيْعُ رَغْبَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ، وَعِنْدَهُمَا بَيْعُ هَزْلٍ فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: هَذَا الْبَيْعُ إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَهُوَ بَيْعُ جِدٍّ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْإِجَارَةِ، وَبَيَانُ كَوْنِهِ بَيْعَ جِدٍّ أَنَّهُمَا قَصَدَا صِحَّةَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الزَّرْعِ جِدًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا بَاشَرَاهُ جِدًّا تَحْقِيقًا لِغَرَضِهِمَا.

(وَإِذَا) آجَرَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ مِنْ رَجُلٍ وَشَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ خَرَاجَهَا مَعَ الْأَجْرِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ قَدْ يَنْتَقِصُ وَقَدْ يَزْدَادُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ سَنَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَمَرَمَّتِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَرَمَّةَ مَجْهُولَةٌ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً وَلِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ فَإِذَا شَرَطَهُ مَالِكُهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ صَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ: آجَرْتُك أَرْضِي هَذِهِ سَنَةً بِكَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تَحْتَالَ عَنِّي لِلسُّلْطَانِ بِالْخَرَاجِ الَّذِي يَلْزَمُ عَلَيَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَقْدَ إجَارَةٍ شُرِطَ فِيهِ حَوَالَةُ دَيْنٍ فَيَفْسُدُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ الْحِيلَةُ فِي أَنْ تَجُوزَ هَذِهِ الْإِجَارَةُ وَلَا تَفْسُدَ أَنْ يُؤَاجِرَهَا إيَّاهُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَيَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَرْضَ مِنْ الْخَرَاجِ وَيُؤَاجِرَهَا بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَيُشْهِدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ فِي خَرَاجِهَا كَذَا دِرْهَمًا وَهَذَا وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَصَحَّتْ، ثُمَّ الْآجِرُ فَوَّضَ أَدَاءَ الْخَرَاجِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْأَجْرِ فَيَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ وَكِيلًا لِلْآجِرِ بِأَدَاءِ الْأُجْرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّفْوِيضُ وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>