للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَشْرَبُهُ فِي شَرْبَةٍ فَالْحَلِفُ عَلَى جَمِيعِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِامْتِنَاعُ عَنْ كُلِّهِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يُطَاقُ أَكْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَلَا شُرْبُهُ فِي شَرْبَةٍ يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَمِينِ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَصْلِهِ لَا عَنْ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَمْتَنِعُ فِعْلُهُ فِي الْغَالِب لَا يُقْصَدُ بِالْيَمِينِ.

حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَمَرَ هَذَا الْبُسْتَانِ أَوْ ثَمَرَ هَاتَيْنِ النَّخْلَتَيْنِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ أَوْ مِنْ لَبَنِ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ أَوْ مِنْ هَذَا الْغَنَمِ فَأَكَلَ بَعْضَهُ يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنَ هَذِهِ الْخَابِيَةِ فَأَكَلَ بَعْضَهُ حَنِثَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْبَيْضَةَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْكُلَ كُلَّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِ كُلِّهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْكُلَ كُلَّهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ حَنِثَ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَفِي رِوَايَةٍ إنْ كَانَ الشَّيْءُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَهُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَأْكُلْ كُلَّهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْجَزُورِ فَهُوَ عَلَى بَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُهُ دُفْعَةً كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ حَنِثَ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ تَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ أَنْ يَتْرُكَهُ الْآكِلُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الشَّعِيرَ فَأَكَلَهُ إلَّا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ يَتْرُكُهُمَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُ يَحْنَثُ إلَّا إذَا نَوَى الْكُلَّ وَهَلْ يُصَدَّقُ قَضَاءً فِيهِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.

وَلَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: إنْ لَمْ آكُلْهُ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَعْتِقَ عَبْدَهُ وَلَا تَطْلُقَ امْرَأَتَهُ أَنْ يَأْكُلَ النِّصْفَ وَيَتْرُكَ النِّصْفَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَهُ إلَّا كِسْرَةً كَانَ بَارًّا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ الرَّغِيفِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِأَكْلِ الْبَعْضِ.

قَالَ لِغَيْرِهِ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مِنْ طَعَامِك فَإِنْ أَكَلْتُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَ لُقْمَةً حَنِثَ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى فَإِنْ عَادَ فَأَكَلَ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.

وَلَوْ قَالَ: لِعَبْدَيْهِ: أَيُّكُمَا أَكَلَ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ فَأَكَلَاهُ لَمْ يَعْتِقَا وَلَوْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُطِيقُ أَحَدُهُمَا أَكْلَهُ فَأَكَلَاهُ عَتَقَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْحَصِيرِيِّ فِي بَابِ الْيَمِينِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ أَوْ عَلَى الْجَمَاعَةِ.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَكَلَتْ إحْدَاهُمَا الرَّغِيفَيْنِ إلَّا شَيْئًا وَأَكَلَتْ الْبَاقِي الْأُخْرَى يَحْنَثُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ لِنِسَائِهِ: أَيَّتُكُنَّ أَكَلْت مِنْ هَذَا الطَّعَامِ فَهِيَ طَالِقٌ فَأَكَلْنَ جَمِيعًا طَلُقْنَ وَلَوْ قَالَ: أَيَّتُكُنَّ أَكَلَتْ هَذَا الطَّعَامَ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الطَّعَامِ فَأَكَلْنَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الطَّعَامُ كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الْوَاحِدُ عَلَى أَكْلِهِ طَلُقْنَ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْوَاحِدُ عَلَى أَكْلِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِنَّ إذَا أَكَلْنَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ.

إنْ حَلَفَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا أَنْ لَا يَأْكُلَ شَيْئًا سَمَّاهُ فَأُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَهُ حَنِثَ وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ وَإِنْ أُوجِرَ أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا وَقَدْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ لَا يَحْنَثُ وَلَكِنْ لَوْ شَرِبَ مِنْهُ بَعْدَ هَذَا حَنِثَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِلْحًا فَأَكَلَ طَعَامًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِحًا لَا يَكُونُ حَانِثًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ كَانَ مَالِحًا كَانَ حَانِثًا كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ الْفُلْفُلَ فَأَكَلَ طَعَامًا فِيهِ فُلْفُلٌ إنْ كَانَ يُوجَدُ طَعْمُهُ كَانَ حَانِثًا وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَأْكُلْ عَيْنَ الْمِلْحِ مَعَ الْخُبْزِ أَوْ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَإِنْ كَانَ فِي يَمِينِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الطَّعَامَ الْمَالِحَ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الزَّاهِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَحَلَفَ الْآخَرُ لَا يَأْكُلُ بَصَلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>