أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ رَأْسَ الْمَيْمَنَةِ - فَرَكِبَ فِي أَصْحَابِهِ وَأَمْهَلَ الْفِرِنْجَ حَتَّى تَوَغَّلُوا بَيْنَ الْخِيَامِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ بِالرِّمَاحِ وَالْحُسَامِ فَتَهَارَبُوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يَقْتُلُ مِنْهُمْ جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ وَفِرْقَةً بَعْدَ فِرْقَةٍ حَتَّى كَسَى وَجْهَ الْأَرْضِ مِنْهُمْ حُلَلًا أَزْهَى مِنَ الرِّيَاضِ الْبَاسِمَةِ وَحُزِرَ مَا قَتَلَ مِنْهُمْ فَأَقَلُّ مَا قِيلَ خَمْسَةُ آلَافٍ وَزَعَمَ الْعِمَادُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَتَلَ مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنُ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ عَشَرَةَ آلَافٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ هَذَا وَطَرَفُ الْمَيْسَرَةِ لَمْ يَشْعُرْ بِمَا جَرَى بَلْ وَهُمْ نَائِمُونَ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ فِي خِيَامِهِمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا دَرَى.
وَكَانَ الَّذِينَ سَاقُوا وَرَاءَهُمْ وَأَسَرُوهُمْ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ وَإِنَّمَا قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشْرَةٌ أَوْ دُونَهُمْ وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَنُصْرَةٌ عَمِيمَةٌ وَقَدْ أَوْهَنَ هَذَا جَيْشَ الْفِرِنْجِ وَأَضْعَفَهُ، وَكَادُوا يَطْلُبُونَ الصُّلْحَ وَيَنْصَرِفُونَ عَنِ الْبَلَدِ فَاتَّفَقَ قُدُومُ مَدَدٍ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَحْرِ مَعَ مَلِكٍ يُقَالُ لَهُ: كُنْدَهِرِيٌّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَمَعَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ وَغَرِمَ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَبْرُزُوا مَعَهُ لِلِقَاءِ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ وَنَصَبَ عَلَى عَكَّا مَنْجَنِيقَيْنِ غَرِمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَأَحْرَقَهُمَا أَهْلُ الْبَلَدِ وَجَاءَتْ كُتُبُ صَاحِبِ الرُّومِ مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ يَعْتَذِرُ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ مِنْ جِهَةِ مَلِكِ الْأَلْمَانِ وَأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مُلْكَهُ وَلَا بَلَدَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَنَّهُ تَجَاوَزَهُ لِكَثْرَةِ جُنُودِهِ وَلِذَلِكَ بَشَّرَ السُّلْطَانَ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُهْلِكُهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَكَذَلِكَ وَقَعَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ الْقَدْيمِ الْإِحْسَانِ وَأَرْسَلَ إِلَى السُّلْطَانِ يَقُولُ لَهُ: إِنِّي سَأُقِيمُ عِنْدِي لِلْمُسْلِمِينَ جُمُعَةً وَخَطِيبًا فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ مَعَ رَسُولِهِ خَطِيبًا وَمِنْبَرًا فَكَانَ يَوْمُ دُخُولِهِمْ إِلَيْهِ يَوْمًا مَشْهُودًا وَمَشْهَدًا مَحْمُودًا فَأُقِيمَتِ الْخُطْبَةُ وَدَعَا لِلْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ وَاجْتَمَعَ فِيهَا مَنْ هُنَاكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتُّجَّارِ وَالْمُسَافِرِينَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute