مَنْ فِيهَا مِنَ الْبَحَّارَةِ أَنْ يَتَزَيُّوا بِزِيِّ الْفِرِنْجِ حَتَّى إِنَّهُمْ حَلَقُوا لِحَاهُمْ وَشَدُّوا الزَّنَانِيرَ وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ فِي الْبُطْسَةِ شَيْئًا مِنَ الْخَنَازِيرِ وَقَدِمُوا بِهَا عَلَى مَرَاكِبِ الْفِرِنْجِ فَاعْتَقَدْوا أَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَهِيَ سَائِرَةٌ كَأَنَّهَا السَّهْمُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الرَّمِيَّةِ فَحَذَّرَهُمُ الْفِرِنْجُ غَائِلَةَ الْمِينَاءِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُسْلِمِينَ فَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ مَعَهَا وَالرِّيحُ قَوِيَّةٌ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقِفُوا وَلَا يَنْصَرِفُوا وَمَا زَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى وَلَجُوا الْمِينَاءَ وَأَفْرَغُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمِيرَةِ - وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ - فَعَبَرَتِ الْمِينَاءَ وَعَيْنُ الْكُفْرِ عَبْرَى فَامْتَلَأَ الثَّغْرُ بِهَا خَيْرًا وَسُرُورًا وَأَثْرَى مُؤُنَتَهُمْ إِلَى أَنْ قَدِمَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْبُطُسُ الثَّلَاثُ الْمِصْرِيَّةُ وَكَانَ مِينَاءُ الْبَلَدِ يَكْتَنِفُهَا بُرْجَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: بُرْجُ الذِّبَّانِ فَاتَّخَذَتِ الْفِرِنْجُ بُطْسَةً عَظِيمَةً لَهَا خُرْطُومٌ وَفِيهِ حَرَكَاتٌ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَضَعُوهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَسْوَارِ وَالْأَبْرِجَةِ قَلَبُوهُ فَوَصَلَ إِلَى مَا أَرَادُوا فَعَظُمَ أَمْرُ هَذِهِ الْبُطْسَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَزَالُوا فِي أَمْرِهَا مُحْتَالِينَ حَتَّى أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا شُوَاظًا مِنْ نَارٍ فَأَحْرَقَهَا وَأَغْرَقَهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْفِرِنْجَ أَعَدُّوا فِيهَا نِفْطًا كَثِيرًا وَحَطَبًا جَزْلًا وَأُخْرَى خَلْفَهَا فِيهَا حَطَبٌ مَحْضٌ حَتَّى إِذَا أَرَادَ الْمُسْلِمُونَ الْمُحَاجَنَةَ عَلَى الْمِينَاءِ بِمَرَاكِبِهِمْ أَرْسَلُوا النِّفْطَ عَلَى بُطْسَةِ الْحَطَبِ فَاحْتَرَقَتْ وَهِيَ سَائِرَةٌ بَيْنَ بُطُسِ الْمُسْلِمِينَ فَتُحْرِقُهَا وَكَانَ فِي بُطْسَةٍ أُخْرَى لَهُمْ مُقَاتِلَةٌ تَحْتَ قَبْوٍ قَدْ أَحْكَمُوهُ فِيهَا، فَلَمَّا أَرْسَلُوا النِّفْطَ عَلَى بُرْجِ الذِّبَّانِ انْعَكَسَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ لِشِدَّةِ الْهَوَاءِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَمَا تَعَدَّتِ النَّارُ بُطْسَتَهُمْ فَاحْتَرَقَتْ وَتَعَدَّى الْحَرِيقُ إِلَى الْأُخْرَى فَغَرِقَتْ وَوَصَلَ إِلَى بُطْسَةِ الْمُقَاتِلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute