فَتَلِفَتْ وَهَلَكَتْ بِمَنْ فِيهَا فَأَشْبَهُوا مَنْ سَلَفَ مِنَ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: ٢]
فَصْلٌ
وَفِي ثَالِثِ رَمَضَانَ اشْتَدَّ حِصَارُ الْفِرِنْجِ لِلْبَلَدِ حَتَّى نَزَلُوا إِلَى الْخَنْدَقِ فَبَرَزَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْبَلَدِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَتَمَكَّنُوا مِنْ حَرِيقِ الْكَبْشِ الَّذِي اتَّخَذُوهُ لِحِصَارِ الْأَسْوَارِ وَسَرَى حَرِيقُهُ إِلَى السُّفُورِ، وَارْتَفَعَتْ لَهُ لَهَبَةٌ عَظِيمَةٌ فِي عَنَانِ السَّمَاءِ ثُمَّ اجْتَذَبَهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ بِكَلَالِيبَ مِنْ حَدِيدٍ فِي سَلَاسِلَ فَحَصَّلُوهُ عِنْدَهُمْ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَارِدَ فَبَرُدَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَكَانَ فِيهِ مِنَ الْحَدِيدِ مِائَةُ قِنْطَارٍ بِالدِّمَشْقِيِّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَكَانَ مَعَ السُّلْطَانِ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ الْمَلِكُ زَيْنُ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِلَ فَتُوُفِّيَ فِي عَكَّا فَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ لِشَبَابِهِ وَغُرْبَتِهِ وَجَوْدَتِهِ وَعُزِّيَ أَخُوهُ مُظَفَّرُ الدِّينِ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي قَامَ بِالْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ وَسَأَلَ مِنَ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ شَهْرُزُورَ وَيَتْرُكَ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَسُمَيْسَاطَ وَغَيْرَهَا وَتَحَمَّلَ مَعَ ذَلِكَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ نَقْدًا فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ وَكَتَبَ لَهُ تَقْلِيدًا وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَأُضِيفُ مَا تَرَكَهُ إِلَى الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ أَخِي السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute