الْجَيْشِ مِنْ مَعَرَّةِ الْفِرِنْجِ فَجَعَلَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ يَتَعَجَّبُ مِنْ شِدَّةِ سَطْوَةِ السُّلْطَانِ كَيْفَ فَتَحَ مِثْلَ هَذَا الْبَلَدِ الْعَظِيمِ فِي يَوْمَيْنِ وَغَيْرُهُ لَا يُمْكِنُهُ فَتْحُهُ فِي عَامَيْنِ وَلَكِنْ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ مَعَ شَهَامَتِهِ وَصَرَامَتِهِ يَتَأَخَّرُ مِنْ مَنْزِلَتِهِ بِمُجَرَّدِ قُدُومِي وَأَنَا وَمَنْ مَعِي لَمْ نَخْرُجْ مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا جَرَائِدَ بِلَا سِلَاحٍ ثُمَّ أَلَحَّ فِي طَلَبِ الصُّلْحِ وَأَنْ تَكُونَ عَسْقَلَانُ دَاخِلَةً فِي صُلْحِهِمْ فَامْتَنَعَ السُّلْطَانُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ ثُمَّ إِنَّ السُّلْطَانَ كَبَسَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي الْإِنْكِلْتِيزَ وَهُوَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ فَارِسًا وَحَوْلَهُ قَلِيلٌ مِنَ الرَّجَّالَةِ فَأَوْكَبَ السُّلْطَانُ بِجَيْشِهِ حَوْلَهُ وَحَصَرَهُ حَصْرًا لَمْ يَبْقَ لَهُ مَعَهُ نَجَاةٌ لَوْ صَمَّمَ مَعَهُ الْجَيْشُ، وَلَكِنَّهُمْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ عَنِ الْجُمْلَةِ فَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَجَعَلَ السُّلْطَانُ يُحَرِّضُهُمْ غَايَةَ التَّحْرِيضِ فَكُلُّهُمْ يَمْتَنِعُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْمَرِيضُ مِنْ شُرْبِ الدَّوَاءِ.
هَذَا وَالْإِنْكِلْتِيرُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - قَدْ رَكِبَ فِي أَصْحَابِهِ وَأَخَذَ عُدَّةَ قِتَالِهِ وَحِرَابِهِ وَاسْتَعْرَضَ الْمَيْمَنَةَ إِلَى أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِ الْمَيْسَرَةِ يَعْنِي مَيْمَنَةَ الْمُسْلِمِينَ وَمَيْسَرَتَهُمْ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُرْسَانِ وَلَا بَهَشَ فِي وَجْهِهِ بَطَلٌ مِنَ الشُّجْعَانِ فَعِنْدَ ذَلِكَ كَرَّ السُّلْطَانُ رَاجِعًا وَقَدْ أَحْزَنَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الْجَيْشِ مُطِيعًا وَلَا سَامِعًا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
ثُمَّ حَصَلَ لِلْإِنْكِلْتِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَرَضٌ شَدِيدٌ وَبَعَثَ إِلَى السُّلْطَانِ يَطْلُبُ فَاكِهَةً وَثَلْجًا فَأَمَدَّهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ الْفُتُوَّةِ وَالْإِحْسَانِ وَإِظْهَارِ الْقُوَّةِ وَالِامْتِنَانِ ثُمَّ عُوفِيَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَتَكَرَّرَتِ الرُّسُلُ مِنْهُ يَطْلُبُ مِنَ السُّلْطَانِ الْمُصَالَحَةَ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ شَوْقِهِ إِلَى بِلَادِهِ وَتَوْقِهِ إِلَى مَلَاذِهِ وَطَاوَعَ السُّلْطَانَ عَلَى مَا يَقُولُ وَنَزَلَ عَنْ طَلَبِ عَسْقَلَانَ وَرَضِيَ بِمَا رَسَمَ بِهِ السُّلْطَانُ، وَكُتِبَ كِتابُ الصُّلْحِ عَلَى مَا رَسَمَ بِهِ السُّلْطَانُ فِي ثَامِنَ عَشَرَ شَعْبَانَ وَأُكِّدَتِ الْعُهُودُ وَالْمَوَاثِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute