للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ كُلِّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ وَأُسْقُفٍ وَجَاثَلِيقٍ، وَحَلَفَ الْأُمَرَاءُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ وَاكْتُفِيَ مِنَ السُّلْطَانِ بِالْقَوْلِ الْمُجَرَّدِ، كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ السَّلَاطِينَ وَفَرِحَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَرَحًا كَثِيرًا، وَأَظْهَرُوا سُرُورًا وَوُقِّعَتِ الْهُدْنَةُ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَعَلَى أَنْ يُقَرَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْبِلَادِ السَّاحِلِيَّةِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَا يُقَابِلُهَا مِنَ الْبِلَادِ الْجَبَلِيَّةِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُعَامَلَاتِ، فَقَسْمُهَا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ مِائَةَ نِقَابٍ صُحْبَةَ أَمِيرٍ لِتَخْرِيبِ سُورِ عَسْقَلَانَ وَإِخْرَاجِ مَنْ بِهَا مِنَ الْفِرِنْجِ وَالْأَلْمَانِ.

وَعَادَ السُّلْطَانُ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ فَرَتَّبَ أَحْوَالَهُ وَوَطَّدَهَا، وَسَدَّدَ أُمُورَهُ وَأَكَّدَهَا وَزَادَ وَقْفَ الْمَدْرَسَةِ سُوقًا بِدَكَاكِينِهَا وَأَرْضًا بِبَسَاتِينِهَا، وَزَادَ وَقْفَ الصُّوفِيَّةِ أَيْضًا وَعَزَمَ عَلَى الْحَجِّ عَامَهُ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَى الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ لِيَعْلَمُوا بِذَلِكَ وَيَتَأَهَّبُوا لَهُ فَكَتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى الْبِلَادِ وَيَذْكُرُ لَهُ أَنَّ النَّظَرَ فِي أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَإِصْلَاحِ أَمْرِهِمُ الَّذِي قَدْ تَدَاعَى إِلَى الْفَسَادِ وَسَدَّ ثُغُورِهِمْ وَمُصَابَرَةَ أَعْدَائِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ، أَفْضَلُ لَكَ مِمَّا عَزَمْتَ عَلَيْهِ فِي عَامِكَ هَذَا، وَالْعَدُوُّ الْمَخْذُولُ مُخَيِّمٌ بَعْدُ بِالشَّامِ لَمْ يُقْلِعْ مِنْهُ مَرْكِبٌ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُهَادِنُونَ لِيَتَقَوَّوْا وَيَكْثُرُوا ثُمَّ يَمْكُرُوا وَيَغْدِرُوا.

فَسَمِعَ السُّلْطَانُ مِنْهُ وَشَكَرَ نُصْحَهُ وَقَبِلَهُ، وَعَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ عَامَهُ ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى سَائِرِ الْمَمَالِكِ وَاسْتَمَرَّ السُّلْطَانُ مُقِيمًا بِالْقُدْسِ جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>