للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ ذَكَرَ الْمَوْعِظَةَ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَغْبِيطِ الْحَاضِرِينَ عَلَى مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ كَذَا وَكَذَا، فَذَكَرَ فَضَائِلَهُ وَمَآثِرَهُ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ الْقِبْلَتَيْنِ، وَثَانِي الْمَسْجِدَيْنِ، وَثَالِثُ الْحَرَمَيْنِ، لَا تُشَدُّ الرَّحَالُ بَعْدَ الْمَسْجِدَيْنِ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا تُعْقَدُ الْخَنَاصِرُ بَعْدَ الْمَوْطِنَيْنِ إِلَّا عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أُسَرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَصَلَّى فِيهِ بِالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ الْكِرَامِ، وَمِنْهُ كَانَ الْمِعْرَاجُ إِلَى السَّمَاوَاتِ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ، ثُمَّ سَارَ مِنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْبُرَاقِ، وَهُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ يَوْمَ التَّلَاقِ، وَهُوَ مَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَقْصِدُ الْأَوْلِيَاءِ، وَقَدْ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ.

قُلْتُ: وَيُقَالُ: إِنَّ الَّذِي أَسَّسَهُ أَوَّلًا يَعْقُوبُ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْخَلِيلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. كَمَا جَاءَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ»، ثُمَّ جَدَّدَ بِنَاءَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ ، كَمَا ثَبَتَ بِهِ الْحَدِيثُ فِي «الْمُسْنَدِ» وَ «السُّنَنِ»، وَ «صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ»، وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَأَلَ سُلَيْمَانُ اللَّهَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ خِلَالًا ثَلَاثًا; حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي أَحَدٌ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.

وَذَكَرَ الْخَطِيبُ تَمَامُ الْخُطْبَتَيْنِ، وَدَعَا لِلْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ، ثُمَّ لِلسُّلْطَانِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَبَعْدَ الصَّلَاةِ جَلَسَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ نَجَا الْمِصْرِيُّ عَلَى كُرْسِيِّ الْوَعْظِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، فَوَعَظَ

<<  <  ج: ص:  >  >>