أَنْ يُقِيمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ حَاجِزًا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ، فَامْتَنَعَ مِنْ أَخْذِ الْخَرَاجِ ; اكْتِفَاءً بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: ٩٥] ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا لَهُ رِجَالًا وَآلَاتٍ لِيَبْنِيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، وَهُوَ الرَّدْمُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ إِلَيْهِمْ إِلَّا مِنْ بَيْنِهِمَا، وَبَقِيَّةُ ذَلِكَ بِحَارٌ مُغْرِقَةٌ، وَجِبَالٌ شَاهِقَةٌ، فَبَنَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى، مِنَ الْحَدِيدِ وَالْقِطْرِ، وَهُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ، وَقِيلَ: الرَّصَاصُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَجَعَلَ بَدَلَ اللَّبِنِ حَدِيدًا، وَبَدَلَ الطِّينِ نُحَاسًا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: ٩٧] أَيْ: يَعْلُوَا عَلَيْهِ بِسَلَالِمَ وَلَا غَيْرِهَا {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: ٩٧] أَيْ: بِمَعَاوِلَ وَلَا فُؤُوسٍ وَلَا غَيْرِهَا، فَقَابَلَ الْأَسْهَلَ بِالْأَسْهَلِ وَالْأَشَدَّ بِالْأَشَدِّ {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: ٩٨] أَيْ: قَدَّرَ اللَّهُ وُجُودَهُ لِيَكُونَ رَحْمَةً مِنْهُ بِعِبَادِهِ أَنْ يَمْنَعَ بِسَبَبِهِ عُدْوَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى مَنْ جَاوَرَهُمْ فِي تِلْكَ الْمَحِلَّةِ {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} [الكهف: ٩٨] أَيِ الْوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَ خُرُوجَهُمْ عَلَى النَّاسِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: ٩٨] أَيْ مُسَاوِيًا لِلْأَرْضِ. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ هَذَا، وَلِهَذَا قَالَ: {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: ٩٨] كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء: ٩٦] الْآيَةَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٦، ٩٧] . وَلِذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: ٩٩] يَعْنِي يَوْمَ فَتْحِ السَّدِّ، عَلَى الصَّحِيحِ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف: ٩٩] وَقَدْ أَوْرَدْنَا الْأَحَادِيثَ الْمَرْوِيَّةَ، فِي خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فِي " التَّفْسِيرِ " وَسَنُورِدُهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي كِتَابِ " الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ، بِحَوَلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute