فِيمَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَأَمَّا فِي شَرْعِنَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} [الكهف: ٢١] فَمَعْنَى (أَعْثَرْنَا) أَطْلَعَنَا عَلَى أَمْرِهِمُ النَّاسَ. قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ الْمَعَادَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا، إِذَا عَلِمُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ رَقَدُوا أَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ قَامُوا، كَمَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مَنْ أَبْقَاهُمْ كَمَا هُمْ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ الْأَبْدَانِ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الدِّيدَانُ، وَعَلَى إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ وَإِنْ صَارَتْ أَجْسَامُهُمْ وَعِظَامُهُمْ رُفَاتًا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠] . هَذَا وَيَحْتَمِلُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: {لِيَعْلَمُوا} [الكهف: ٢١] إِلَى أَصْحَابِ الْكَهْفِ، إِذْ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَبْلَغُ مِنْ عِلْمِ غَيْرِهِمْ بِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْجَمِيعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: ٢٢] فَذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي كَمِّيَّتِهِمْ، فَحَكَى ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَضَعَّفَ الْأَوَّلَيْنِ، وَقَرَّرَ الثَّالِثَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ ; إِذْ لَوْ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ لَحَكَاهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحَ لَوَهَّاهُ، فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، وَلَمَّا كَانَ النِّزَاعُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَلَا جَدْوَى عِنْدَهُ، أَرْشَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى الْأَدَبِ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ، إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute