للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِهَذَا قَالَ: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} [الكهف: ٢٢] وَقَوْلُهُ: {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} [الكهف: ٢٢] أَيْ: مِنَ النَّاسِ {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: ٢٢] أَيْ سَهْلًا، وَلَا تَتَكَلَّفْ إِعْمَالَ الْجِدَالِ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ، وَلَا تَسْتَفْتِ فِي أَمْرِهِمْ أَحَدًا مِنَ الرِّجَالِ; وَلِهَذَا أَبْهَمَ تَعَالَى عِدَّتَهُمْ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ فَقَالَ: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} [الكهف: ١٣] وَلَوْ كَانَ فِي تَعْيِينِ عِدَّتِهِمْ كَبِيرُ فَائِدَةٍ لَذَكَرَهَا عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: ٢٣] أَدَبٌ عَظِيمٌ أَرْشَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ وَحَثَّ خَلْقَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا إِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ: إِنِّي سَأَفْعَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَذَا. فَيُشْرَعُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. لِيَكُونَ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِعَزْمِهِ; لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ وَلَا يَدْرِي أَهَذَا الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ مُقَدَّرٌ أَمْ لَا، وَلَيْسَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ تَعْلِيقًا، وَإِنَّمَا هُوَ الْحَقِيقِيُّ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ يَصِحُّ إِلَى سَنَةٍ. وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ لِهَذَا وَلِهَذَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ قَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمْ يَقُلْ، فَطَافَ، فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرْكًا لِحَاجَتِهِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>