للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ، وَاتَّفَقَ اجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، كَمَا صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ فَكُلٌّ مِنْهُمْ سَأَلَ الْآخَرَ عَنْ أَمْرِهِ وَعَنْ شَأْنِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الِانْحِيَازِ عَنْ قَوْمِهِمْ، وَالتَّبَرِّي مِنْهُمْ، وَالْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَالْفِرَارِ بِدِينِهِمْ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْمَشْرُوعُ حَالَ الْفِتَنِ وَظُهُورِ الشُّرُورِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ أَيْ: بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَصَارُوا مِنَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ أَيْ: وَإِذْ قَدْ فَارَقْتُمُوهُمْ فِي دِينِهِمْ وَتَبَرَّأْتُمْ مِمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشْرِكُونَ مَعَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزُّخْرُفِ: ٢٦، ٢٧]. وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِذْ قَدْ فَارَقْتُمْ قَوْمَكُمْ فِي دِينِهِمْ، فَاعْتَزَلُوهُمْ بِأَبْدَانِكُمْ لِتَسْلَمُوا مِنْهُمْ أَنْ يُوصِلُوا إِلَيْكُمْ شَرًّا فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا أَيْ: يُسْبِلْ عَلَيْكُمْ سِتْرَهُ، وَتَكُونُوا تَحْتَ حِفْظِهِ وَكَنَفِهِ، وَيَجْعَلْ عَاقِبَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>