للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْضًا ثُمَّ جَهَّزَ السُّلْطَانُ الْخَلِيفَةَ وَأَصْحَبَهُ أَوْلَادَ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَعَلَى مَنِ اسْتَقَلَّ مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ - الَّذِينَ يَرُدُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ - مِنَ الذَّهَبِ الْعَيْنِ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَطْلَقَ لَهُ وَزَادَهُ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَقَدِمَ إِلَيْهِ صَاحِبُ حِمْصَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ لَهُ، وَزَادَهُ تَلَّ بَاشِرٍ، وَقَدِمَ صَاحِبُ حَمَاةَ الْمَنْصُورُ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ لَهُ وَكَتَبَ لَهُ تَقْلِيدًا بِبِلَادِهِ، ثُمَّ جَهَّزَ جَيْشًا صُحْبَةَ الْأَمِيرِ عَلَاءِ الدِّينِ الْبُنْدُقْدَارِيِّ إِلَى حَلَبَ لِمُحَارَبَةِ الْبُرْلِيِّ الْمُتَغَلِّبِ عَلَيْهَا الْمُفْسِدِ فِيهَا، وَقَدْ أَقَامَ الْبُرْلِيُّ بِحَلَبَ خَلِيفَةً آخَرَ لَقَّبَهُ بِالْحَاكِمِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِهِ الْمُسْتَنْصِرُ سَارَ مَعَهُ إِلَى الْعِرَاقِ، وَاتَّفَقَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَإِنْفَاذِ الْحَاكِمِ لِلْمُسْتَنْصِرِ; لِكَوْنِهِ أَكْبَرَ مِنْهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

لَكِنْ خَرَجَ عَلَيْهِمَا فِي آخِرِ السَّنَةِ طَائِفَةٌ مِنَ التَّتَارِ، فَفَرَّقُوا شَمْلَهُمَا، وَقَتَلُوا خَلْقًا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُمَا، وَعُدِمَ الْمُسْتَنْصِرُ، وَهَرَبَ الْحَاكِمُ مَعَ الْأَعْرَابِ. فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَقَدْ كَانَ الْمُسْتَنْصِرُ هَذَا فَتَحَ بُلْدَانًا كَثِيرَةً فِي مَسِيرِهِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَلَمَّا قَاتَلَهُ بَهَادُرُ عَلَى شِحْنَةِ بَغْدَادَ كَسَرَهُ الْمُسْتَنْصِرُ، وَقَتَلَ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ خَرَجَ كَمِينٌ مِنَ التَّتَارِ، فَهَرَبَ الْعُرْبَانُ وَالْأَكْرَادُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ الْمُسْتَنْصِرِ، وَثَبَتَ هُوَ فِي طَائِفَةٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ التُّرْكِ، فَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَفُقِدَ هُوَ مِنَ الْبَيْنِ، وَنَجَا الْحَاكِمُ فِي طَائِفَةٍ، وَكَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشْبَهَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي تَوَغُّلِهِ فِي أَرْضِ الْعِرَاقِ مَعَ كَثْرَةِ جُنُودِهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى لِهَذَا أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ حَتَّى تَتَمَهَّدَ الْأُمُورُ وَتَصْفُوَ الْأَحْوَالُ، وَلَكِنْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>