وَجَهَّزَ السُّلْطَانُ جَيْشًا آخَرَ مَنْ دِمَشْقَ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ، فَأَغَارُوا وَقَتَلُوا، وَسَبَوْا وَرَجَعُوا سَالِمِينَ، وَطَلَبَتِ الْفِرِنْجُ مِنَ السُّلْطَانِ الصُّلْحَ، فَصَالَحَهُمْ مُدَّةً لِاشْتِغَالِهِ بِحَلَبَ وَأَعْمَالِهَا، وَكَانَ قَدْ عَزَلَ فِي شَوَّالٍ عَنْ قَضَاءِ مِصْرَ وَحْدَهَا تَاجَ الدِّينِ عَبْدَ الْوَهَّابِ ابْنَ بِنْتِ الْأَعَزِّ، وَوَلَّى عَلَيْهَا بُرْهَانَ الدِّينِ الْخِضْرَ بْنَ الْحَسَنِ السِّنْجَارِيَّ، وَعَزَلَ قَاضِي دِمَشْقَ نَجْمَ الدِّينِ أَبَا بَكْرِ بْنَ صَدْرِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ شَمْسِ الدِّينِ يَحْيَى بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ، وَوَلَّى قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلِّكَانَ، وَقَدْ نَابَ فِي الْحُكْمِ بِالْقَاهِرَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً عَنْ بَدْرِ الدِّينِ السِّنْجَارِيِّ، فَأَضَافَ إِلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ نَظَرَ الْأَوْقَافِ وَالْجَامِعِ وَالْمَارَسْتَانَ وَتَدْرِيسِ سَبْعِ مَدَارِسَ; الْعَادِلِيَّةِ وَالنَّاصِرِيَّةِ وَالْعَذْرَاوِيَّةِ وَالْفَلَكِيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ وَالْإِقْبَالِيَّةِ وَالْبَهْنَسِيَّةِ، وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِالشُّبَّاكِ الْكَمَالِيِّ مِنْ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَسَافَرَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ مُرَسَّمًا عَلَيْهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ خَانَ فِي وَدِيعَةِ ذَهَبٍ جَعَلَهَا فُلُوسًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ سَنَةً وَأَشْهُرًا، وَفِي يَوْمِ الْعِيدِ يَوْمَ السَّبْتِ سَافَرَ السُّلْطَانُ بِالْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ رَاجِعًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ قَدِمَ عَلَى السُّلْطَانِ بِدِمَشْقَ يَتَهَدَّدُهُ وَيَتَوَعَّدُهُ وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ إِقْطَاعَاتٍ كَثِيرَةً، فَلَمْ يَزَلْ يُوقِعُ بَيْنَهُمْ حَتَّى اسْتَأْصَلَ شَأْفَتَهُمْ وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِهِمْ، نَصَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَكَّنَ بِهِ الْبِلَادَ وَنَصَرَ بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، آمِينَ.
وَفِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عُمِلَ عَزَاءُ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute