لَمْ يَتَقَدَّمْ عَهْدٌ يُعُودُ عَلَيْهِ، فَهُوَ الْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَإِنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ. وَخُلِقَ لِيَكُونَ فِي الْأَرْضِ، وَبِهَذَا أَعْلَمَ الرَّبُّ الْمَلَائِكَةَ حَيْثُ قَالَ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
قَالُوا: وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ [الْقَلَمِ: ١٧]. فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لَيْسَ لِلْعُمُومِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مَعْهُودٌ لَفْظِيٌّ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَهُوَ الْبُسْتَانُ.
قَالُوا: وَذِكْرُ الْهُبُوطِ لَا يَدُلُّ عَلَى النُّزُولِ مِنَ السَّمَاءِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ [هُودٍ: ٤٨]. الْآيَةَ. وَإِنَّمَا كَانَ فِي السَّفِينَةِ حِينَ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجُودِيِّ وَنَضَبَ الْمَاءُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، أُمِرَ أَنْ يَهْبِطَ إِلَيْهَا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مُبَارَكًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ [الْبَقَرَةِ: ٦١]. الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ٧٤]. الْآيَةَ. وَفِي الْأَحَادِيثِ وَاللُّغَةِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ.
قَالُوا: وَلَا مَانِعَ، بَلْ هُوَ الْوَاقِعُ، أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي أُسْكِنَهَا آدَمُ كَانَتْ مُرْتَفِعَةً عَنْ سَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ ذَاتِ أَشْجَارٍ، وَثِمَارٍ، وَظِلَالٍ، وَنَعِيمٍ، وَنَضْرَةٍ، وَسُرُورٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى [طه: ١١٨]. أَيْ لَا يُذَلُّ بَاطِنُكَ بِالْجُوعِ، وَلَا ظَاهِرُكَ بِالْعُرْيِ: وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى [طه: ١١٩]. أَيْ لَا يَمَسُّ بَاطِنَكَ حَرُّ الظَّمَأِ، وَلَا ظَاهِرَكَ حَرُّ الشَّمْسِ، وَلِهَذَا قَرَنَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، وَبَيْنَ هَذَا وَهَذَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُقَابَلَةِ. فَلَمَّا كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْ أَكْلِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا أُهْبِطَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute