للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ عَيْنُ مَا يُمْدَحُونَ بِسَبَبِهِ ، فَإِنَّ الْحَقَّ الظَّاهِرَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى رَوِيَّةٍ، وَلَا فِكْرٍ، وَلَا نَظَرٍ. بَلْ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَالِانْقِيَادُ لَهُ مَتَى ظَهَرَ، وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَادِحًا لِلصَّدِّيقِ. مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ لَهُ كَبْوَةٌ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَمْ. وَلِهَذَا كَانَتْ بَيْعَتُهُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ أَيْضًا سَرِيعَةً مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، وَلَا رَوِيَّةٍ; لِأَنَّ أَفْضَلِيَّتَهُ عَلَى مَنْ عَدَاهُ ظَاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ عِنْدَ الصَّحَابَةِ ، وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَنُصَّ فِيهِ عَلَى خِلَافَتِهِ فَتَرَكَهُ. وَقَالَ: يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ. ، وَقَوْلُ كَفَرَةِ قَوْمِ نُوحٍ لَهُ، وَلِمَنْ آمَنَ بِهِ: وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ. أَيْ: لَمْ يَظْهَرْ لَكُمْ أَمْرٌ بَعْدَ اتِّصَافِكُمْ بِالْإِيمَانِ، وَلَا مَزِيَّةٌ عَلَيْنَا: بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ [هُودٍ: ٢٧ - ٢٨].

وَهَذَا تَلَطُّفٌ فِي الْخِطَابِ مَعَهُمْ، وَتَرَفُّقٌ بِهِمْ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: ٤٤]. وَقَالَ تَعَالَى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النَّحْلِ: ١٢٥]. وَهَذَا مِنْهُ يَقُولُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ. أَيُّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ. أَيْ فَلَمْ تَفْهَمُوهَا، وَلَمْ تَهْتَدُوا إِلَيْهَا أَنُلْزِمُكُمُوهَا. أَيْ أَنَغْصِبُكُمْ بِهَا، وَنَجْبُرُكُمْ عَلَيْهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>