للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ كُلُّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ وَلَا تُكَذَّبُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا، فَأَمَّا إِنْ رَدَّهَا الْحَقُّ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ. أَيْ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِعُمُومِ النَّاسِ لِلْبَرَكَةِ وَالْهُدَى الْبَيْتُ الَّذِي بِبَكَّةَ قِيلَ: مَكَّةُ. وَقِيلَ: مَحَلَّةُ الْكَعْبَةِ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ. أَيْ عَلَى أَنَّهُ بِنَاءُ الْخَلِيلِ وَالِدِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَإِمَامِ الْحُنَفَاءِ مِنْ وَلَدِهِ الَّذِينَ يَقْتَدُونَ بِهِ. وَيَتَمَسَّكُونَ بِسُنَّتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ أَيِ: الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ يَقِفُ عَلَيْهِ قَائِمًا لَمَّا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ عَنْ قَامَتِهِ فَوَضَعَ لَهُ وَلَدُهُ هَذَا الْحَجَرَ الْمَشْهُورَ لِيَرْتَفِعَ عَلَيْهِ لَمَّا تَعَالَى الْبِنَاءُ وَعَظُمَ الْفِنَاءُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّوِيلِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الْحَجَرُ مُلْصَقًا بِحَائِطِ الْكَعْبَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ إِلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخَّرَهُ عَنِ الْبَيْتِ قَلِيلًا لِئَلَّا يَشْغَلَ الْمُصَلُّونَ عِنْدَهُ الطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ، وَاتَّبَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ وَافَقَهُ رَبُّهُ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا؛ فِي قَوْلِهِ لِرَسُولِهِ : لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى. فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَقَدْ كَانَتْ آثَارُ قَدَمَيِ الْخَلِيلِ بَاقِيَةً فِي الصَّخْرَةِ إِلَى أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ اللَّامِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ:

وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ … وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حِرَاءَ وَنَازِلِ

وَبِالْبَيْتِ حَقِّ الْبَيْتِ مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ … وَبِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ

وَبِالْحَجَرِ الْمُسْوَدِّ إِذْ يَمْسَحُونَهُ … إِذَا اكْتَنَفُوهُ بِالضُّحَى وَالْأَصَائِلِ

وَمَوْطِئُ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبَةٌ … عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>