يَعْنِي أَنَّ رِجْلَهُ الْكَرِيمَةَ غَاصَتْ فِي الصَّخْرَةِ فَصَارَتْ عَلَى قَدْرِ قَدَمِهِ حَافِيَةً لَا مُنْتَعِلَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ. أَيْ فِي حَالِ قَوْلِهِمَا: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَهُمَا فِي غَايَةِ الْإِخْلَاصِ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ ﷿، وَهُمَا يَسْأَلَانِ مِنَ اللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمَا مَا هُمَا فِيهِ مِنَ الطَّاعَةِ الْعَظِيمَةِ وَالسَّعْيِ الْمَشْكُورِ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْخَلِيلَ بَنَى أَشْرَفَ الْمَسَاجِدِ فِي أَشْرَفِ الْبِقَاعِ فِي وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، وَدَعَا لِأَهْلِهَا بِالْبَرَكَةِ، وَأَنْ يُرْزَقُوا مِنَ الثَّمَرَاتِ مَعَ قِلَّةِ الْمِيَاهِ، وَعَدَمِ الْأَشْجَارِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ حَرَمًا مُحَرَّمًا وَأَمْنًا مُحَتَّمًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ - وَلَهُ الْحَمْدُ - لَهُ مَسْأَلَتَهُ، وَلَبَّى دَعْوَتَهُ وَأَتَاهُ طِلْبَتَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٧]. وَقَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا [الْقِصَصِ: ٥٧]. وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَيْ مِنْ جِنْسِهِمْ وَعَلَى لُغَتِهِمُ الْفَصِيحَةِ الْبَلِيغَةِ النَّصِيحَةِ لِتَتِمَّ عَلَيْهِمُ النِّعْمَتَانِ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالدِّينِيَّةُ، بِسَعَادَةِ الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فَبَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا، وَأَيَّ رَسُولٍ، خَتَمَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، وَأَكْمَلَ لَهُ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا قَبْلَهُ، وَعَمَّ بِدَعْوَتِهِ أَهْلَ الْأَرْضِ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَالْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَانَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ لِشَرَفِهِ فِي نَفْسِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute