كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ كَثِيرًا.
وَأَمَّا قِصَّةُ زَكَرِيَّا فَإِنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْكِرَامِ، وَالدُّنْيَا كَانَتْ عِنْدَهُ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ وَلَدًا لِيَرِثَهُ فِي مَالِهِ، كَيْفَ وَإِنَّمَا كَانَ نَجَّارًا يَأْكُلُ مَنْ كَسْبِ يَدِهِ؟ ! كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَدَّخِرَ مِنْهَا فَوْقَ قُوتِهِ حَتَّى يَسْأَلَ وَلَدًا يَرِثُ عَنْهُ مَالَهُ - إِنْ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ - وَإِنَّمَا سَأَلَ وَلَدًا صَالِحًا يَرِثُهُ فِي النُّبُوَّةِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَحَمْلِهِمْ عَلَى السَّدَادِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: ١] يَعْنِي النُّبُوَّةَ كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي " التَّفْسِيرِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «النَّبِيُّ لَا يُورَثُ» وَهَذَا اسْمُ جِنْسٍ يَعُمُّ كُلَّ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «: " نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» .
الْوَجْهُ الثَّانِي، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ خُصَّ مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَحْكَامٍ لَا يُشَارِكُونَهُ فِيهَا، كَمَا سَنَعْقِدُ لَهُ بَابًا مُفْرَدًا فِي آخِرِ السِّيرَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُورَثُونَ - وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ - لَكَانَ مَا رَوَاهُ مَنْ ذَكَرْنَاهُ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute