للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ سِلَالٍ مِنْ خُبْزٍ، وَضَوَارِي الطُّيُورِ تَأْكُلُ مِنَ السَّلِّ الْأَعْلَى. فَقَصَّاهَا عَلَيْهِ، وَطَلَبَا مِنْهُ أَنْ يَعْبُرَهُمَا لَهُمَا، وَقَالَا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٣٦] . فَأَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ عَلِيمٌ بِتَعْبِيرِهِمَا خَبِيرٌ بِأَمْرِهِمَا. وَ {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} [يوسف: ٣٧] . قِيلَ: مَعْنَاهُ مَهْمَا رَأَيْتُمَا مِنْ حُلْمٍ فَإِنِّي أَعْبُرُهُ لَكُمَا قَبْلَ وُقُوعِهِ، فَيَكُونُ كَمَا أَقُولُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنِّي أُخْبِرُكُمَا بِمَا يَأْتِيكُمَا مِنَ الطَّعَامِ قَبْلَ مَجِيئِهِ حُلْوًا أَوْ حَامِضًا. كَمَا قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} [آل عمران: ٤٩] . وَقَالَ لَهُمَا إِنَّ هَذَا مِنْ تَعْلِيمِ اللَّهِ إِيَّايَ لِأَنِّي مُؤْمِنٌ بِهِ مُوَحِّدٌ لَهُ مُتَّبِعٌ مِلَّةَ آبَائِي الْكِرَامِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} [يوسف: ٣٨] . أَيْ بِأَنْ هَدَانَا لِهَذَا {وَعَلَى النَّاسِ} [يوسف: ٣٨] أَيْ بِأَنْ أَمَرَنَا أَنْ نَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ وَنُرْشِدَهُمْ وَنَدُلَّهُمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي فِطَرِهِمْ مَرْكُوزٌ، وَفِي جِبِلَّتِهِمْ مَغْرُوزٌ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف: ٣٨] .

ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَذَمَّ عِبَادَةَ مَا سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَصَغَّرَ أَمْرَ الْأَصْنَامِ وَحَقَّرَهَا وَضَعَّفَ أَمْرَهَا. فَقَالَ: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف: ٣٩] . أَيْ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>