وَرُبَّانٍ. فَبَذَلَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ بِلَا تَأَخُّرٍ وَلَا شَرْطٍ وَلَا طَلَبَ الْخُرُوجَ سَرِيعًا، بَلْ أَجَابَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوا، وَعَبَّرَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ مَنَامِ الْمَلِكِ الدَّالِّ عَلَى وُقُوعِ سَبْعِ سِنِينَ مِنَ الْخِصْبِ وَيَعْقُبُهَا سَبْعٌ جُدْبٌ {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} [يوسف: ٤٩] . يَعْنِي يَأْتِيهِمُ الْغَيْثُ وَالْخِصْبُ وَالرَّفَاهِيَةُ {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: ٤٩] يَعْنِي مَا كَانُوا يَعْصِرُونَهُ مِنَ الْأَقْصَابِ وَالْأَعْنَابِ وَالزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَغَيْرِهَا. فَعَبَّرَ لَهُمْ وَعَلَى الْخَيْرِ دَلَّهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا يَعْتَمِدُونَهُ فِي حَالَتَيْ خِصْبِهِمْ وَجَدْبِهِمْ، وَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنِ ادِّخَارِ حُبُوبِ سِنِيِّ الْخِصْبِ فِي السَّبْعِ الْأُوَلِ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا مَا يُرْصَدُ بِسَبَبِ الْأَكْلِ، وَمِنْ تَقْلِيلِ الْبَذْرِ فِي سِنِيِّ الْجَدْبِ فِي السَّبْعِ الثَّانِيَةِ إِذِ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَذْرَ مِنَ الْحَقْلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْعِلْمِ، وَكَمَالِ الرَّأْيِ وَالْفَهْمِ.
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: ٥٠]
[يُوسُفَ: ٥٠ - ٥٣] . لَمَّا أَحَاطَ الْمَلِكُ عِلْمًا بِكَمَالِ عِلْمِ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَمَامِ عَقْلِهِ وَرَأْيِهِ السَّدِيدِ وَفَهْمِهِ، أَمَرَ بِإِحْضَارِهِ إِلَى حَضْرَتِهِ لِيَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ خَاصَّتِهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ أَحَبَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، وَأَنَّهُ بَرِيءُ السَّاحَةِ مِمَّا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute