للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُمْ وَسُقُوُا الْغَيْثَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَهُوَ كِتَابٌ حَافِلٌ: ذِكْرُ مَا أُوتِيَ نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ الْفَضَائِلِ، وَبَيَانُ مَا أُوتِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُضَاهِي فَضَائِلَهُ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا. قَالُوا: إِنَّ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا بَلَغُوا مِنْ أَذِيَّتِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ، وَتَرْكِ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ دَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ: {" رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا "} [نوح: ٢٦] . فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دَعَوْتَهُ، وَغَرَّقَ قَوْمَهُ، حَتَّى لَمَّ يَسْلَمْ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالدَّوَابِّ إِلَّا مَنْ رَكِبَ السَّفِينَةَ، فَكَانَ ذَلِكَ فَضِيلَةً أُوتِيَهَا، إِذْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، وَشُفِيَ صَدْرُهُ بِإِهْلَاكِ قَوْمِهِ. قُلْنَا: وَقَدْ أُوتِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ حِينَ نَالَهُ مِنْ قُرَيْشٍ مَا نَالَهُ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِخْفَافِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلِكَ الْجِبَالِ وَأَمَرَهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ مِنْ إِهْلَاكِ قَوْمِهِ، فَاخْتَارَ الصَّبْرَ عَلَى أَذِيَّتِهِمْ، وَالِابْتِهَالَ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ. قُلْتُ: وَهَذَا حَسَنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ ذَهَابِهِ إِلَى الطَّائِفِ، فَدَعَاهُمْ فَآذَوْهُ، فَرَجَعَ وَهُوَ مَهْمُومٌ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ قَرْنِ الثَّعَالِبِ نَادَاهُ مَلَكُ الْجِبَالِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لِأَفْعَلَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ، فَإِنْ شِئْتَ أَطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ. يَعْنِي جَبَلَيْ مَكَّةَ اللَّذَيْنِ يَكْتَنِفَانِهَا جَنُوبًا وَشَامًا، وَهُمَا أَبُو قُبَيْسٍ وَزُرْزُرٌ، فَقَالَ " «بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ لَا يُشْرِكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>