كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي السِّيرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: قَالُوا: كَانَ إِبْرَاهِيمُ، ﵇، أَلْقَاهُ قَوْمُهُ فِي النَّارِ فَجَعَلَهَا اللَّهُ بَرْدًا وَسَلَامًا. قُلْنَا: وَقَدْ أُوتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِثْلُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ بِخَيْبَرَ سَمَّتْهُ الْخَيْبَرِيَّةُ، فَصُيِّرَ ذَلِكَ السُّمُّ فِي جَوْفِهِ بَرْدًا وَسَلَامًا إِلَى مُنْتَهَى أَجَلِهِ، وَالسُّمُّ يَحْرِقُ - إِذْ لَا يَسْتَقِرُّ فِي الْجَوْفِ - كَمَا تَحْرِقُ النَّارُ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ. وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَنَّ بِشْرَ بْنَ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ مَاتَ سَرِيعًا مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ، وَأَخْبَرَ ذِرَاعُهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَا أُودِعَ فِيهِ مِنَ السُّمِّ، وَكَانَ قَدْ نَهَشَ مِنْهُ نَهْشَةً، وَكَانَ السُّمُّ فِيهِ أَكْثَرَ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْهَمُونَ أَنَّهُ، ﵊، يُحِبُّ الذِّرَاعَ، فَلَمْ يَضُرَّهُ السُّمُّ الَّذِي حَصَلَ فِي بَاطِنِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ، ﷿، حَتَّى انْقَضَى أَجَلُهُ، ﵊، فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ حِينَئِذٍ مِنْ أَلَمِ ذَلِكَ السُّمِّ الَّذِي كَانَ فِي تِلْكَ الْأَكْلَةِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ فَاتِحِ بِلَادِ الشَّامِ أَنَّهُ أُتِيَ بِسُمٍّ فَتَحَسَّاهُ بِحَضْرَةِ الْأَعْدَاءِ; لِيُرْهِبَهُمْ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَرَ بَأْسًا، ﵁.
ثُمَّ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَصَمَ نَمْرُودَ بِبُرْهَانِ نُبُوَّتِهِ فَبَهَتَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٨]. قِيلَ مُحَمَّدٌ ﷺ أَتَاهُ الْمُكَذِّبُ بِالْبَعْثِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ بِعَظْمٍ بَالٍ فَفَرَكَهُ وَقَالَ: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس: ٧٨]. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْبُرْهَانَ السَّاطِعَ: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: ٧٩:] فَانْصَرَفَ مَبْهُوتًا بِبُرْهَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute