للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُبُوَّتِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا أَقْطَعُ لِلْحُجَّةِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالُهُ عَلَى الْمَعَادِ بِالْبَدَاءَةِ، فَالَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُونُوا شَيْئًا مَذْكُورًا قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِمْ، كَمَا قَالَ: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس: ٨١]. أَيْ يُعِيدُهُمْ كَمَا بَدَأَهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [الْأَحْقَافِ: ٣٣]. وَقَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الرُّومِ: ٢٧]. هَذَا وَأَمْرُ الْمَعَادِ نَظَرِيٌّ لَا فِطْرِيٌّ، ضَرُورِيٌّ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، فَأَمَّا الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ فَإِنَّهُ مُعَانِدٌ مُكَابِرٌ، فَإِنَّ وُجُودَ الصَّانِعِ مَذْكُورٌ فِي الْفِطَرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مَفْطُورٌ عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا مَنْ تَغَيَّرَتْ فِطْرَتُهُ، فَيَصِيرُ نَظَرِيًّا عِنْدَهُ، وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَجْعَلُ وُجُودَ الصَّانِعِ مِنْ بَابِ النَّظَرِ لَا الضَّرُورِيَّاتِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَدَعْوَاهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُمِيتُ لَا يَقْبَلُهُ عَقْلٌ وَلَا سَمْعٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُكَذِّبُهُ بِعَقْلِهِ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَلْزَمَهُ إِبْرَاهِيمُ بِالْإِتْيَانِ بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ إِنْ كَانَ كَمَا ادَّعَى: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٨]. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكُرَ مَعَ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَلَّطَ مُحَمَّدًا عَلَى هَذَا الْمُعَانِدِ لَمَّا بَارَزَ النَّبِيَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَتَلَهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ; طَعَنَهُ بِحَرْبَةٍ فَأَصَابَ تَرْقُوَتَهُ فَتَدَأْدَأَ عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا، فَقَالُوا لَهُ: وَيَحَكَ مَا لَكَ؟! فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ بِي لَمَا لَوْ كَانَ بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعِينَ، أَلَمْ يَقُلْ:» بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ؟ «وَاللَّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيَّ لَقَتَلَنِي. وَكَانَ أُبَيٌّ هَذَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>