يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ، وَلَا تُخَالَفُ أَقْدَارُهُ أَنَّ هَذَا الْمَوْلُودَ الَّذِي تَحْتَرِزُ مِنْهُ، وَقَدْ قَتَلْتَ بِسَبَبِهِ مِنَ النُّفُوسِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى، لَا يَكُونُ مُرَبَّاهُ إِلَّا فِي دَارِكَ وَعَلَى فِرَاشِكَ، وَلَا يُغَذَّى إِلَّا بِطَعَامِكَ وَشَرَابِكَ فِي مَنْزِلِكَ، وَأَنْتَ الَّذِي تَتَبَنَّاهُ وَتُرَبِّيهِ وَتَتَعَدَّاهُ، وَلَا تَطَّلِعُ عَلَى سِرِّ مَعْنَاهُ، ثُمَّ يَكُونُ هَلَاكُكَ فِي دُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ عَلَى يَدَيْهِ ; لِمُخَالَفَتِكَ مَا جَاءَكَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَتَكْذِيبِكَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، لِتَعْلَمَ أَنْتَ وَسَائِرُ الْخَلْقِ أَنَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ هُوَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ، ذُو الْبَأْسِ الْعَظِيمِ، وَالْحَوَلِ وَالْقُوَّةِ وَالْمَشِيئَةِ، الَّتِي لَا مَرَدَّ لَهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، أَنَّ الْقِبْطَ شَكَوْا إِلَى فِرْعَوْنَ قِلَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بِسَبَبِ قَتْلِ وِلْدَانِهِمُ الذُّكُورِ، وَخَشَوْا أَنْ تَتَفَانَى الْكِبَارُ مَعَ قَتْلِ الصِّغَارِ، فَيَصِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَلُونَ مَا كَانَ يَلِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ الْأَبْنَاءِ عَامًا، وَأَنْ يُتْرَكُوا عَامًا، فَوُلِدَ هَارُونُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي عَامِ الْمُسَامَحَةِ عَنْ قَتْلِ الْأَبْنَاءِ، وَوُلِدَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي عَامِ قَتْلِهِمْ، فَضَاقَتْ أُمُّهُ بِهِ ذَرْعًا، وَاحْتَرَزَتْ مِنْ أَوَّلِ مَا حَبِلَتْ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَظْهَرُ عَلَيْهَا مَخَايِلُ الْحَبَلِ، فَلَمَّا وَضَعَتْ أُلْهِمَتْ أَنِ اتَّخَذَتْ لَهُ تَابُوتًا، فَرَبَطَتْهُ فِي حَبْلٍ، وَكَانَتْ دَارُهَا مُتَاخِمَةً لِلنِّيلِ، فَكَانَتْ تُرْضِعُهُ، فَإِذَا خَشِيَتْ مِنْ أَحَدٍ وَضَعَتْهُ فِي ذَلِكَ التَّابُوتِ فَأَرْسَلَتْهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَمْسَكَتْ طَرَفَ الْحَبْلِ عِنْدَهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute