ثُمَّ نَهَضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَسْتَشِيرُ النَّاسَ فِيهِمَا وَيَجْتَمِعُ بِرُءُوسِ النَّاسِ وَأَجْنَادِهِمْ؛ جَمِيعًا وَأَشْتَاتًا، مَثْنَى وَفُرَادَى وَمُجْتَمِعِينَ، سِرًّا وَجَهْرًا، حَتَّى خَلَصَ إِلَى النِّسَاءِ الْمُخَدَّرَاتِ فِي حِجَابِهِنَّ، وَحَتَّى سَأَلَ الْوِلْدَانَ فِي الْمَكَاتِبِ، وَحَتَّى سَأَلَ مَنْ يَرِدُ مِنَ الرُّكْبَانِ وَالْأَعْرَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، فَلَمْ يَجِدِ اثْنَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي تَقْدِيمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ إِلَّا مَا يُنْقَلُ عَنْ عَمَّارٍ وَالْمِقْدَادِ أَنَّهُمَا أَشَارَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ بَايَعَا مَعَ النَّاسِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ. فَسَعَى فِي ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا لَا يَغْتَمِضُ بِكَثِيرِ نَوْمٍ إِلَّا صَلَاةً وَدُعَاءً وَاسْتِخَارَةً، وَسُؤَالًا مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَعْدِلُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُسْفِرُ صَبَاحُهَا عَنِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ مَوْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، جَاءَ إِلَى مَنْزِلِ ابْنِ أُخْتِهِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَقَالَ: أَنَائِمٌ يَا مِسْوَرُ! وَاللَّهِ لَمْ أَغْتَمِضْ بِكَثِيرِ نَوْمٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ، اذْهَبْ فَادْعُ لِي عَلِيًّا وَعُثْمَانَ. قَالَ الْمِسْوَرُ: فَقُلْتُ: بِأَيِّهِمَا أَبْدَأُ؟ فَقَالَ: بِأَيِّهِمَا شِئْتَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى عَلِيٍّ، فَقُلْتُ: أَجِبْ خَالِي. فَقَالَ: أَمَرَكَ أَنْ تَدْعُوَ مَعِيَ أَحَدًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. قَالَ: بِأَيِّنَا بَدَأَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَأْمُرْنِي بِذَلِكَ، بَلْ قَالَ: ادْعُ أَيَّهُمَا شِئْتَ أَوَّلًا. فَجِئْتُ إِلَيْكَ. قَالَ: فَخَرَجَ مَعِي، فَلَمَّا مَرَرْنَا بِدَارِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute