للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَدُوا هَذَا الْكِتَابَ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ عُثْمَانَ، أَعْظَمُوا ذَلِكَ، مَعَ مَا هُمْ مُشْتَمَلُونَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ، فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَطَافُوا بِهِ عَلَى رُءُوسِ الصَّحَابَةِ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْمٌ آخَرُونَ، حَتَّى ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّ هَذَا عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا قِيلَ لِعُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي أَمْرِ هَذَا الْكِتَابِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْمِصْرِيِّينَ، حَلَفَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ - أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ هَذَا الْكِتَابَ وَلَا أَمَلَاهُ عَلَى مَنْ كَتَبَهُ، وَلَا عِلْمَ بِهِ فَقَالُوا لَهُ: فَإِنَّ عَلَيْهِ خَاتَمَكَ. فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُزَوَّرُ عَلَى خَطِّهِ وَخَاتَمِهِ. قَالُوا: فَإِنَّهُ مَعَ غُلَامِكَ وَعَلَى جَمَلِكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالُوا لَهُ بَعْدَ كُلِّ مَقَالِهِ: إِنْ كُنْتَ قَدْ كَتَبْتَهُ فَقَدْ خُنْتَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ كَتَبْتَهُ بَلْ كُتِبَ عَلَى لِسَانِكَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ فَقَدْ عَجَزْتَ، وَمِثْلُكَ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ ; إِمَّا لِخِيَانَتِكَ، وَإِمَّا لِعَجْزِكَ.

وَهَذَا الَّذِي قَالُوا بَاطِلٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ كَتَبَ الْكِتَابَ - وَهُوَ لَمْ يَكْتُبْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ - لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْأُمَّةِ فِي إِزَالَةِ شَوْكَةِ هَؤُلَاءِ الْبُغَاةِ الْخَارِجِينَ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ عَلِمَ بِهِ فَأَيُّ عَجْزٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَزُوِّرَ عَلَى لِسَانِهِ؟ ! وَلَيْسَ هُوَ بِمَعْصُومٍ بَلِ الْخَطَأُ وَالْغَفْلَةُ جَائِزَانِ عَلَيْهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ الْبُغَاةُ مُتَعَنِّتُونَ خَوَنَةٌ ظَلَمَةٌ مُفْتَرُونَ، وَلِهَذَا صَمَّمُوا بَعْدَ هَذَا عَلَى حَصْرِهِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ حَتَّى مَنَعُوهُ الْمِيرَةَ وَالْمَاءَ وَالْخُرُوجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَتَهَدَّدُوهُ بِالْقَتْلِ، وَلِهَذَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ مِنْ تَوْسِعَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مُنِعَ مِنْهُ، وَمِنْ وَقْفِهِ بِئْرَ رُومَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مُنِعَ مَاءَهَا، وَمِنْ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ ; النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>