الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ أَعْلَى مَقَامَاتِ التَّلَطُّفِ وَالِاحْتِرَازِ وَالْعَقْلِ التَّامِّ. وَقَوْلُهُ: {يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} [غافر: ٢٩] يُحَذِّرُهُمْ أَنَّ يَسْلُبُوا هَذَا الْمُلْكَ الْعَزِيزَ، فَإِنَّهُ مَا تَعَرَّضَتِ الدُّوَلُ لِلدِّينِ إِلَّا سُلِبُوا مُلْكَهُمْ وَذَلُّوا بَعْدَ عِزِّهِمْ، وَكَذَا وَقْعَ لِآلِ فِرْعَوْنَ; مَا زَالُوا فِي شَكٍّ وَرَيْبٍ، وَمُخَالَفَةٍ وَمُعَانَدَةٍ لِمَا جَاءَهُمْ مُوسَى بِهِ، حَتَّى أَخْرَجَهُمُ اللَّهُ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ وَالْأَمْلَاكِ وَالدُّورِ وَالْقُصُورِ، وَالنِّعْمَةِ وَالْحُبُورِ، ثُمَّ حُوِّلُوا إِلَى الْبَحْرِ مُهَانِينَ، وَنُقِلَتْ أَرْوَاحُهُمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ. وَلِهَذَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ الصَّادِقُ، الْبَارُّ الرَّاشِدُ، التَّابِعُ لِلْحَقِّ النَّاصِحُ لِقَوْمِهِ، الْكَامِلُ الْعَقْلِ: {يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} [غافر: ٢٩] أَيْ; عَالِينَ عَلَى النَّاسِ حَاكِمِينَ عَلَيْهِمْ، {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر: ٢٩] أَيْ; لَوْ كُنْتُمْ أَضْعَافَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ لَمَا نَفَعَنَا ذَلِكَ وَلَا رَدَّ عَنَّا بَأْسَ مَالِكِ الْمَمَالِكِ. {قَالَ فِرْعَوْنُ} [غافر: ٢٩] أَيْ; فِي جَوَابِ هَذَا كُلِّهِ: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} [غافر: ٢٩] أَيْ; مَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا مَا عِنْدِي {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: ٢٩] وَكَذَبَ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَهَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يَتَحَقَّقُ وَيَعْلَمُ فِي بَاطِنِهِ وَفِي نَفْسِهِ أَنَّ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ يُظْهِرُ خِلَافَهُ بَغْيًا وَعُدْوَانًا، وَعُتُوًّا وَكُفْرَانًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مُوسَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute