أَصْحَابَهُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِبَارَةٍ فَصِيحَةٍ بَلِيغَةٍ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى أَهْلِهِ فِي لَيْلَتِهِ هَذِهِ، فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ، فَإِنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا يُرِيدُونَنِي. فَقَالَ مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ: عَلَيَّ دَيْنٌ وَلِي عِيَالٌ. فَقَالَ: هَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا، لِيَأْخُذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمَّ اذْهَبُوا فِي بَسِيطِ الْأَرْضِ فِي سَوَادِ هَذَا اللَّيْلِ إِلَى بِلَادِكُمْ وَمَدَائِنِكُمْ، فَإِنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا يُرِيدُونَنِي، فَلَوْ قَدْ أَصَابُونِي لَهَوْا عَنْ طَلَبِ غَيْرِي، فَاذْهَبُوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ وَأَبْنَاؤُهُ وَبَنُو أَخِيهِ: لَا بَقَاءَ لَنَا بَعْدَكَ، وَلَا أَرَانَا اللَّهُ فِيكَ مَا نَكْرَهُ. فَقَالَ الْحُسَيْنُ: يَا بَنِي عَقِيلٍ، حَسْبُكُمْ بِمُسْلِمٍ أَخِيكُمْ، اذْهَبُوا فَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ. قَالُوا: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ! أَنَّا تَرَكْنَا شَيْخَنَا وَسَيِّدَنَا وبَنِي عُمُومَتِنَا خَيْرَ الْأَعْمَامِ، لَمْ نَرْمِ مَعَهُمْ بِسَهْمٍ، وَلَمْ نَطْعَنْ مَعَهُمْ بِرُمْحٍ، وَلَمْ نَضْرِبْ مَعَهُمْ بِسَيْفٍ، رَغْبَةً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؟ ! لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ، وَلَكِنْ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَهْلِينَا، وَنُقَاتِلُ مَعَكَ حَتَّى نَرِدَ مَوْرِدَكَ، فَقَبَّحَ اللَّهُ الْعَيْشَ بَعْدَكَ. وَقَالَ نَحْوَ ذَلِكَ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ الْأَسَدِيُّ، وَكَذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيُّ: وَاللَّهِ لَا نُخَلِّيكَ حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّا قَدْ حَفِظْنَا غَيْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكَ، وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنِّي أُقْتَلُ دُونَكَ أَلْفَ قَتْلَةٍ، وَأَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِذَلِكَ الْقَتْلَ عَنْكَ وَعَنْ أَنْفُسِ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ، لَأَحْبَبْتُ ذَلِكَ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا هِيَ قَتْلَةٌ وَاحِدَةٌ. وَتَكَلَّمَ جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ بِكَلَامٍ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُفَارِقُكَ، وَأَنْفُسُنَا الْفِدَاءُ لَكَ، نَقِيكَ بِنُحُورِنَا وَجِبَاهِنَا، وَأَيْدِينَا وَأَبْدَانِنَا، فَإِذَا نَحْنُ قُتِلْنَا وَفَّيْنَا وَقَضَيْنَا مَا عَلَيْنَا. وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute