للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخُوهُ الْعَبَّاسُ: لَا أَرَانَا اللَّهُ يَوْمَ فَقْدِكَ، وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَكَ. وَتَتَابَعَ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو الضَّحَّاكِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ تِلْكَ الْعَشِيَّةَ الَّتِي قُتِلَ أَبِي فِي صَبِيحَتِهَا، وَعَمَّتِي زَيْنَبُ تُمَرِّضُنِي، إِذِ اعْتَزَلَ أَبِي فِي خِبَائِهِ، وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَعِنْدَهُ حُوَيٌّ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَهُوَ يُعَالِجُ سَيْفَهُ وَيُصْلِحُهُ، وَأَبِي يَقُولُ:

يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيلِ ... كَمْ لَكَ بِالْإِشْرَاقِ وَالْأَصِيلِ

مِنْ صَاحِبٍ أَوْ طَالِبٍ قَتِيلِ ... وَالدَّهْرُ لَا يَقْنَعُ بِالْبَدِيلِ

وَإِنَّمَا الْأَمْرُ إِلَى الْجَلِيلِ ... وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكُ السَّبِيلِ

قَالَ: فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَفَهِمْتُ مَا أَرَادَ، فَخَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ، فَرَدَدْتُهَا وَلَزِمْتُ السُّكُوتَ، وَعَلِمْتُ أَنَّ الْبَلَاءَ قَدْ نَزَلَ، وَأَمَّا عَمَّتِي فَقَامْتَ حَاسِرَةً حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: وَاثُكْلَاهُ، لَيْتَ الْمَوْتَ أَعْدَمَنِي الْحَيَاةَ الْيَوْمَ، مَاتَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ، وَعَلِيٌّ أَبِي، وَحَسَنٌ أَخِي، يَا خَلِيفَةَ الْمَاضِي وَثِمَالَ الْبَاقِي. فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَقَالَ: يَا أُخَيَّةُ، لَا يُذْهِبَنَّ حِلْمُكِ الشَّيْطَانُ. فَقَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، اسْتُقْتِلْتَ. وَلَطَمَتْ وَجْهَهَا، وَشَقَّتْ جَيْبَهَا، وَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَقَامَ إِلَيْهَا فَصَبَّ عَلَى وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَقَالَ: يَا أُخَيَّةُ، اتَّقِي اللَّهَ وَتَعَزِّي بِعَزَاءِ اللَّهِ، وَاعْلَمِي أَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ يَمُوتُونَ، وَأَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ لَا يَبْقَوْنَ، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>