وَلَمَّا خَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ طَاعَتِهِ وَخَلَعُوهُ، وَوَلَّوْا عَلَيْهِمُ ابْنَ مُطِيعٍ وَابْنَ حَنْظَلَةَ لَمْ يَذْكُرُوا عَنْهُ - وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُ - إِلَّا مَا ذَكَرُوهُ عَنْهُ مِنْ شُرْبِهِ الْخَمْرَ وَإِتْيَانِهِ بَعْضَ الْقَاذُورَاتِ، لَمْ يَتَّهِمُوهُ بِزَنْدَقَةٍ كَمَا يَقْذِفُهُ بِذَلِكَ بَعْضُ الرَّوَافِضِ، بَلْ قَدْ كَانَ فَاسِقًا، وَالْفَاسِقُ لَا يَجُوزُ خَلْعُهُ ; لِمَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَيْهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَوُقُوعِ الْهَرْجِ، كَمَا وَقَعَ زَمَنَ الْحَرَّةِ، فَإِنَّهُ بَعَثَ إِلَيْهِمْ مَنْ يَرُدُّهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ، وَأَنْظَرَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا لَمْ يَرْجِعُوا قَاتَلَهُمْ، وَقَدْ كَانَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ، وَلَكِنَّهُ تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي أَمْرِهِ أَمِيرَ الْحَرْبِ أَنْ يُبِيحَ الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى وَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ خَطَأٌ كَبِيرٌ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ.
وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَمَاعَاتُ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ مِمَّنْ لَمْ يَنْقُضِ الْعَهْدَ، وَلَا بَايَعَ أَحَدًا بَعْدَ بَيْعَتِهِ لِيَزِيدَ ; كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ النَّاسُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ» ". وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ - إِلَّا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute