للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ قَطَرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ - مَعَ شَجَاعَتِهِ الْمُفَرِطَةِ وَإِقْدَامِهِ - مِنْ خُطَبَاءَ الْعَرَبِ الْمَشْهُورِينَ بِالْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ، وَجَوْدَةِ الْكَلَامِ، وَالشِّعْرِ الْحَسَنِ، فَمِنْ مُسْتَجَادِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ يُشَجِّعُ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ، وَمَنْ سَمِعَهَا انْتَفَعَ بِهَا:

أَقُولُ لَهَا وَقَدْ طَارَتْ شَعَاعًا … مِنَ الْأَبْطَالِ وَيْحَكِ لَنْ تُرَاعِي

فَإِنَّكِ لَوْ سَأَلْتِ بَقَاءَ يَوْمٍ … عَلَى الْأَجَلِ الَّذِي لَكَ لِمَ تُطَاعِي

فَصَبْرًا فِي مَجَالِ الْمَوْتِ صَبْرًا … فَمَا نَيْلُ الْخُلُودِ بِمُسْتَطَاعِ

وَلَا ثَوْبُ الْحَيَاةِ بِثَوْبِ عِزٍّ … فَيُطْوَى عَنْ أَخِي الْخَنَعِ الْيَرَاعِ

سَبِيلُ الْمَوْتِ غَايَةُ كُلِّ حَيٍّ … وَدَاعِيهِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ دَاعِي

وَمَنْ لَا يَغْتَبِطْ يَسْأَمْ وَيَهْرَمْ … وَتُسْلِمْهُ الْمَنُونُ إِلَى انْقِطَاعِ

وَمَا لِلْمَرْءِ خَيْرٌ فِي حَيَاةٍ … إِذَا مَا عُدَّ مِنْ سَقَطِ الْمَتَاعِ

ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْحَمَاسَةِ، وَاسْتَحْسَنَهَا ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَارِيخِهِ كَثِيرًا.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، ، وَهُوَ أَمِيرُ الْجَيْشِ الَّذِي دَخَلَ بِلَادَ التُّرْكِ، وَقَاتَلُوا رُتْبِيلَ - مَلِكَ التُّرْكِ - وَقَدْ قُتِلَ مِنْ جَيْشِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مَعَ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

وَقَدْ دَخَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَلَى الْحَجَّاجِ مَرَّةً، وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: كَمْ خَتَمْتَ بِخَاتَمِكَ هَذَا؟ قَالَ: عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ. قَالَ: فَفِيمَ أَنْفَقْتَهَا؟ قَالَ: فِي اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ، وَرَدِّ الْمَلْهُوفِ، وَالْمُكَافَأَةِ بِالصَّنَائِعِ، وَتَزْوِيجِ الْعَقَائِلِ.

وَقِيلَ: إِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ عَطَشَ يَوْمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>