وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ قَوْلٌ فِيهَا، فَنَقَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ الشَّعْبِيُّ فِي سَاعَتِهِ، فَاسْتَحْسَنَ قَوْلَ عَلِيٍّ، وَحَكَمَ بِقَوْلِ عُثْمَانَ، وَأُطْلِقَ الشَّعْبِيُّ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَ خَمْسَةَ آلَافِ أَسِيرٍ، مِمَّنْ سَيَّرَهُمْ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلَهَا، فَجَعَلَ لَا يُبَايِعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهَا إِلَّا قَالَ: أَتَشْهَدُ عَلَى نَفْسِكَ أَنَّكَ قَدْ كَفَرْتَ. فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ. بَايَعَهُ، وَإِنْ أَبَى قَتَلَهُ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، مِمَّنْ أَبَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ. قَالَ: فَأُتِيَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: مَا أَظُنُّ هَذَا يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ; لِصَلَاحِهِ وَدِينِهِ، وَأَرَادَ الْحَجَّاجُ مُخَادَعَتَهُ، فَقَالَ: أَخَادِعِي أَنْتَ عَنْ نَفْسِي، أَنَا أَكْفَرُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَكْفَرُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَنَمْرَودَ. قَالَ: فَضَحِكَ الْحَجَّاجُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِخْنَفٍ، أَنَّ أَعْشَى هَمْدَانَ أُتِيَ بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ، وَكَانَ قَدْ عَمِلَ قَصِيدَةً هَجَا فِيهَا الْحَجَّاجَ وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَيَمْدَحُ فِيهَا ابْنَ الْأَشْعَثِ وَأَصْحَابُهُ، فَاسْتَنْشَدَهُ إِيَّاهَا فَأَنْشُدَهُ قَصِيدَةً طَوِيلَةً دَالِيَّةً، فِيهَا مَدْحٌ كَثِيرٌ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَجَعَلَ أَهْلُ الشَّامِ يَقُولُونَ: قَدْ أَحْسَنَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: إِنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ، إِنَّمَا يَقُولُ هَذَا مُصَانَعَةٌ. ثُمَّ أَلَحَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَنْشُدَهُ قَصِيدَتَهُ الْأُخْرَى، فَلَمَّا أَنْشَدَهَا غَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَجَّاجُ، وَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَاسْمُ الْأَعْشَى هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، أَبُو الْمُصْبِحِ الْهَمْدَانِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute