للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحَاسِبُ نَفْسَهُ، وَيُنَاجِي رَبَّهُ يَقُولُ:

يَا نَفْسُ حَتَّامَ إِلَى الدُّنْيَا غُرُورُكِ، وَإِلَى عِمَارَتِهَا رُكُونُكِ، أَمَا اعْتَبَرْتِ بِمَنْ مَضَى مِنْ أَسْلَافِكِ، وَمَنْ وَارَتْهُ الْأَرْضُ مِنْ أُلَّافِكِ؟ وَمَنْ فُجِعْتِ بِهِ مِنْ إِخْوَانِكِ، وَنُقِلَ إِلَى الْبِلَى مِنْ أَقْرَانِكِ؟

فَهُمْ فِي بُطُونِ الْأَرْضِ بَعْدَ ظُهُورِهَا ... مَحَاسِنُهُمْ فِيهَا بِوَالٍ دَوَاثِرُ

خَلَتْ دُورُهُمْ مِنْهُمْ وَأَقْوَتْ عِرَاصُهُمْ ... وَسَاقَتْهُمْ نَحْوَ الْمَنَايَا الْمَقَادِرُ

وَخُلُّوا عَنِ الدُّنْيَا وَمَا جَمَعُوا لَهَا ... وَضَمَّتْهُمُ تَحْتَ التُّرَابِ الْحَفَائِرُ

كَمْ تَخَرَّمَتْ أَيْدِي الْمَنُونِ مِنْ قُرُونٍ بَعْدَ قُرُونٍ، وَكَمْ غَيَّرَتِ الْأَرْضُ بِبَلَائِهَا، وَغَيَّبَتْ فِي ثَرَاهَا مِمَّنْ عَاشَرْتَ مِنْ صُنُوفِ النَّاسِ، وَشَيَّعْتَهُمْ إِلَى الْأَرْمَاسِ،

وَأَنْتَ عَلَى الدُّنْيَا مُكِبٌّ مُنَافِسٌ ... لِخُطَّابِهَا فِيهَا حَرِيصٌ مُكَاثِرُ

عَلَى خَطَرٍ تُمْسِي وَتُصْبِحُ لَاهِيًا ... أَتَدْرِي بِمَاذَا لَوْ عَقَلْتَ تُخَاطِرُ

وَإِنَّ امْرَأً يَسْعَى لِدُنْيَاهُ دَائِبًا ... وَيَذْهَلُ عَنْ أُخْرَاهُ لَا شَكَّ خَاسِرُ

فَحَتَّامَ عَلَى الدُّنْيَا إِقْبَالُكَ؟ وَبِشَهَوَاتِكَ اشْتِغَالُكَ؟ وَقَدْ وَخَطَكَ الْقَتِيرُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>