قَالَ: فَغَضِبَ هِشَامٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِحَبْسِ الْفَرَزْدَقِ بِعُسْفَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بَعَثَ إِلَى الْفَرَزْدَقِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَرْسَلَ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ أَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ الْيَوْمَ غَيْرُهَا، فَرَدَّهَا الْفَرَزْدَقُ، وَقَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ مَا قُلْتُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنُصْرَةً لِلْحَقِّ، وَقِيَامًا بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذُرِّيَّتِهِ، وَلَسْتُ أَعْتَاضُ عَنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ صِدْقَ نِيَّتِكَ فِي ذَلِكَ، وَأَقْسَمْتُ لَتَقْبَلَنَّهَا. فَقَبِلَهَا مِنْهُ ثُمَّ جَعَلَ يَهْجُو هِشَامًا، فَكَانَ مِمَّا قَالَ فِيهِ:
يُحَبِّسُنِي بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالَّتِي ... إِلَيْهَا قُلُوبُ النَّاسِ يَهْوِي مُنِيبُهَا
يُقَلِّبُ رَأْسًا لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ ... وَعَيْنَيْنِ حَوْلَاوَيْنِ بَادٍ عُيُوبُهَا
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّتْ بِهِ الْجِنَازَةُ يَقُولُ:
نُرَاعُ إِذَا الْجَنَائِزُ قَابَلَتْنَا ... وَنَلْهُو حِينَ تَمْضِي ذَاهِبَاتِ
كَرَوْعَةِ ثَلَّةٍ لِمُغَارِ سَبْعٍ ... فَلَمَّا غَابَ عَادَتْ رَاتِعَاتِ
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئِ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ سَيِّدَ الْعَابِدِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute