للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمْ قَدْ غَرَّتِ الدُّنْيَا مِنْ مُخْلِدٍ إِلَيْهَا، وَصَرَعَتْ مِنْ مُكِبٍّ عَلَيْهَا، فَلَمْ تُنْعِشْهُ مِنْ عَثْرَتِهِ، وَلَمْ تُقِمْهُ مِنْ صَرْعَتِهِ، وَلَمْ تَشْفِهِ مِنْ أَلَمِهِ، وَلَمْ تُبْرِهِ مِنْ سَقَمِهِ.

بَلَى أَوْرَدَتْهُ بَعْدَ عِزٍّ وَمَنْعَةٍ ... مَوَارِدَ سُوءٍ مَا لَهُنَّ مَصَادِرُ

فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَا نَجَاةَ وَأَنَّهُ ... هُوَ الْمَوْتُ لَا يُنْجِيهِ مِنْهُ التَّحَاذُرُ

تَنَدَّمَ إِذْ لَمْ تُغْنِ عَنْهُ نَدَامَةٌ ... عَلَيْهِ وَأَبْكَتْهُ الذُّنُوبُ الْكَبَائِرُ

بَكَى عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَطَايَاهُ، وَتَحَسَّرَ عَلَى مَا خَلَفَ مِنْ دُنْيَاهُ، حِينَ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِغْفَارُ، وَلَا يُنْجِيهِ الِاعْتِذَارُ، عِنْدَ هَوْلِ الْمَنِيَّةِ وَنُزُولِ الْبَلِيَّةِ.

أَحَاطَتْ بِهِ أَحْزَانُهُ وَهُمُومُهُ ... وَأَبْلَسَ لَمَّا أَعْجَزَتْهُ الْمَعَاذِرُ

فَلَيْسَ لَهُ مِنْ كُرْبَةِ الْمَوْتِ فَارِجٌ ... وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا يُحَاذِرُ نَاصِرُ

وَقَدْ جَشَأَتْ خَوْفَ الْمَنِيَّةِ نَفْسُهُ ... تُرَدِّدُهَا مِنْهُ اللَّهَا وَالْحَنَاجِرُ

هُنَالِكَ خَفَّ عُوَّادُهُ، وَأَسْلَمَهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ، وَارْتَفَعَتِ الرَّنَّةُ بِالْعَوِيلِ، وَقَدْ أَيِسُوا مِنَ الْعَلِيلِ، فَغَمَّضُوا بِأَيْدِيهِمْ عَيْنَيْهِ، وَمَدَّ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ رِجْلَيْهِ.

فَكَمْ مُوجَعٍ يَبْكِي عَلَيْهِ وَمُفْجَعٍ ... وَمُسْتَنْجِدٍ صَبْرًا وَمَا هُوَ صَابِرُ

وَمُسْتَرْجِعٍ دَاعٍ لَهُ اللَّهَ مُخْلِصًا ... يُعَدِّدُ مِنْهُ خَيْرَ مَا هُوَ ذَاكِرُ

وَكَمْ شَامِتٍ مُسْتَبْشِرٍ بِوَفَاتِهِ ... وَعَمَّا قَلِيلٍ كَالَّذِي صَارَ صَائِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>