للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلَّيْنَا سَبِيلَكَ. ثُمَّ أَوْدَعَهُ السِّجْنَ مُقَيَّدًا مَغْلُولَةً يَدُهُ الْيُمْنَى إِلَى عُنُقِهِ، وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى نَائِبِهِ بِكَسْكَرَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِأَسَدٍ عَظِيمٍ ضَارٍ، وَقَدْ قَالَ جَحْدَرٌ هَذَا فِي مَحْبَسِهِ هَذَا أَشْعَارًا يَتَحَزَّنُ فِيهَا عَلَى امْرَأَتِهِ سُلَيْمَى أَمِّ عَمْرٍو، يَقُولُ فِي بَعْضِهَا:

أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو ... وَإِيَّانَا فَذَاكَ بِنَا تَدَانِي

بَلَى وَنَرَى الْهِلَالَ كَمَا تَرَاهُ ... وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ إِذَا عَلَانِي

إِذَا جَاوَزْتُمَا نَخَلَاتِ حَجْرٍ ... وَأَوْدِيَةَ الْيَمَامَةِ فَانْعَيَانِي

وَقُولَا جَحْدَرٌ أَمْسَى رَهِينًا ... يُحَاذِرُ وَقْعَ مَصْقُولٍ يَمَانِي

فَلَمَّا قَدِمَ الْأَسَدُ عَلَى الْحَجَّاجِ أَمَرَ بِهِ فَجُوِّعَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أُبْرِزَ إِلَى حَائِرٍ وَهُوَ الْبُسْتَانُ وَأَمَرَ بِجَحْدَرٍ، فَأُخْرِجَ فِي قُيُودِهِ وَيَدُهُ الْيُمْنَى مَغْلُولَةٌ بِحَالِهَا، وَأُعْطِيَ سَيْفًا فِي يَدِهِ الْيُسْرَى، وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَسَدِ، وَجَلَسَ الْحَجَّاجُ وَأَصْحَابُهُ فِي مَنْظَرَةٍ، وَأَقْبَلَ جَحْدَرٌ نَحْوَ الْأَسَدِ، وَهُوَ يَقُولُ:

لَيْثٌ وَلَيْثٌ فِي مَجَالِ ضَنْكِ ... كِلَاهُمَا ذُو أَنَفٍ وَمَحْكِ

وَشِدَّةٍ فِي نَفْسِهِ وَفَتْكِ ... إِنْ يَكْشِفِ اللَّهُ قِنَاعَ الشَّكِّ

فَهْوَ أَحَقُّ مَنْزِلٍ بِتَرْكِ

فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ الْأَسَدُ زَأَرَ زَأْرَةً شَدِيدَةً، وَتَمَطَّى وَأَقْبَلَ نَحْوَهُ، فَلَمَّا صَارَ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ رُمْحٍ وَثَبَ الْأَسَدُ عَلَى جَحْدَرٍ وَثْبَةً شَدِيدَةً، فَتَلَقَّاهُ جَحْدَرٌ بِالسَّيْفِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً حَتَّى خَالَطَ ذُبَابُ السَّيْفِ لَهَوَاتِهِ، فَخَرَّ الْأَسَدُ كَأَنَّهُ خَيْمَةٌ قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>