للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَخْرُبُ أَبَدًا وَلَا تَخْلُو مِنْهُ الْعِبَادَةُ، وَأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ إِذَا بُنِيَتْ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ دَارَ الْمَلِكِ وَالسَّلْطَنَةِ. قُلْتُ: أَمَّا الْمَعْبَدُ فَلَمْ يَخْلُ مِنَ الْعِبَادَةِ. قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَا يَخْلُو مِنْهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.

وَأَمَّا دَارُ الْمَلِكِ الَّتِي هِيَ الْخَضْرَاءُ فَقَدْ جَدَّدَ بِنَاءَهَا مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَبَادَتْ وَصَارَتْ مَسَاكِنَ ضُعَفَاءِ النَّاسِ وَأَرَاذِلِهِمْ فِي الْغَالِبِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْيُونَانَ اسْتَمَرُّوا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَّرْنَاهَا بِدِمَشْقَ مُدَدًا طَوِيلَةً، تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ سَنَةٍ، حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَنَى جُدْرَانَ هَذَا الْمَعْبَدِ الْأَرْبَعَةَ هُودٌ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ كَانَ هُودٌ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ.

وَقَدْ وَرَدَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، دِمَشْقَ وَنَزَلَ شَمَالِيَّهَا عِنْدَ بَرْزَةَ، وَقَاتَلَ هُنَاكَ قَوْمًا مِنْ أَعْدَائِهِ فَظَفِرَ بِهِمْ، وَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ مَقَامُهُ لِمُقَاتَلَتِهِمْ عِنْدَ بَرْزَةَ. فَهَذَا الْمَكَانُ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ بِهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَأْثِرُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، وَإِلَى زَمَانِنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَتْ دِمَشْقُ إِذْ ذَاكَ عَامِرَةً آهِلَةً بِمَنْ فِيهَا مِنَ الْيُونَانِ، وَكَانُوا خَلْقًا لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ; وَهُمْ خُصَمَاءُ الْخَلِيلِ، وَقَدْ نَاظَرَهُمْ الْخَلِيلُ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ وَالْكَوَاكِبَ وَغَيْرَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ، وَفِي قِصَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>