إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ كِتَابِنَا هَذَا " الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ "، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْيُونَانَ لَمْ يَزَالُوا يَعْمُرُونَ دِمَشْقَ وَيَبْنُونَ فِيهَا وَفِي مُعَامَلَاتِهَا مِنْ أَرْضِ حَوْرَانَ وَالْبِقَاعِ وَبَعْلَبَكَّ وَغَيْرِهَا الْبِنَايَاتِ الْهَائِلَةَ الْغَرِيبَةَ الْعَجِيبَةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ الْمَسِيحِ بِمُدَّةٍ نَحْوٍ مَنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ تَنَصَّرَ أَهْلُ الشَّامِ عَلَى يَدِ الْمَلِكِ قُسْطَنْطِينَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ، الَّذِي بَنَى الْمَدِينَةَ الْمَشْهُورَةَ فِي بِلَادِ الرُّومِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَهِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، وَهُوَ الَّذِي وَضَعَ لَهُمُ الْقَوَانِينَ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلًا هُوَ وَقَوْمُهُ وَغَالِبُ أَهْلِ الْأَرْضِ يُونَانًا، وَوَضَعَتْ لَهُ بَطَارِكَةُ النَّصَارَى دِينًا مُخْتَرَعًا مُرَكَّبًا مِنْ أَصْلِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ مَمْزُوجًا بِشَيْءٍ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَصَلَّوْا بِهِ إِلَى الشَّرْقِ، وَزَادُوا فِي الصِّيَامِ، وَأَحَلُّوا الْخِنْزِيرَ، وَعَلَّمُوا أَوْلَادَهُمُ الْأَمَانَةَ الْكَبِيرَةَ فِيمَا يَزْعُمُونَ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ خِيَانَةٌ كَبِيرَةٌ، وَجِنَايَةٌ كَثِيرَةٌ حَقِيرَةٌ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْحَجْمِ صَغِيرَةٌ حَقِيرَةٌ نَقِيرَةٌ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ وَبَيَّنَّاهُ. فَبَنَى لَهُمْ هَذَا الْمَلِكُ، الَّذِي يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ الطَّائِفَةُ الْمَلَكِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى كَنَائِسَ كَثِيرَةً فِي دِمَشْقَ وَفِي غَيْرِهَا، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُ بُنِيَ فِي زَمَانِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ كَنِيسَةً، وَأُوقِفَ عَلَيْهَا أَوْقَافًا دَارَّةً، مِنْ ذَلِكَ كَنِيسَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute