للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو الْحَارِثِ أَحَدُ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، وَلَهُ دِيوَانٌ مَشْهُورٌ، وَكَانَ يَتَغَزَّلُ فِي مَيَّةَ بِنْتِ مُقَاتِلِ بْنِ طَلَبَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيِّ وَكَانَتْ جَمِيلَةً، وَكَانَ هُوَ دَمِيمَ الْخَلْقِ، أَسْوَدَ اللَّوْنَ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فُحْشٌ وَلَا خَنَا، وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا قَطُّ وَلَا رَأَتْهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَسْمَعُ بِهِ وَيَسْمَعُ بِهَا، وَيُقَالُ: إِنَّهَا كَانَتْ تَنْذُرُ إِنْ هِيَ رَأَتْهُ أَنْ تَذْبَحَ جَزُورًا، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: وَاسَوْأَتَاهُ وَاسَوْأَتَاهُ. وَلَمْ تُبْدِ لَهُ وَجْهَهَا قَطُّ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

عَلَى وَجْهِ مَيٍّ مَسْحَةٌ مِنْ حَلَاوَةٍ ... وَتَحْتَ الثِّيَابِ الْعَارُ لَوْ كَانَ بَادِيَا

قَالَ: فَانْسَلَخَتْ مِنْ ثِيَابِهَا، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَاءَ يَخْبُثُ طَعْمُهُ ... وَإِنْ كَانَ لَوْنُ الْمَاءِ أَبْيَضَ صَافِيَا

فَقَالَتْ: تُرِيدُ أَنْ تَذُوقَ طَعْمَهُ؟ فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ. فَقَالَتْ: تَذُوقُ الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ تَذُوقَهُ. فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

فَوَاضَيْعَةَ الشِّعْرِ الَّذِي لَجَّ وَانْقَضَى ... بِمَيٍّ وَلَمْ أَمْلِكْ ضَلَالَ فُؤَادِيَا

قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: وَمِنْ شَعْرِهِ السَّائِرِ بَيْنَ النَّاسِ مَا أَنْشَدَهُ:

إِذَا هِبَّتِ الْأَرْوَاحُ مِنْ نَحْوِ جَانِبٍ بِهِ ... أَهْلُ مَيٍّ هَاجَ قَلْبِي هُبُوبُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>