وَلَكِنَّا لَمَّا رَأَيْنَا مَصَابِيحَ الْحَقِّ قَدْ عُطِّلَتْ، وَضَعُفَ الْقَائِلُ بِالْحَقِّ، وَقُتِلَ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ، ضَاقَتْ عَلَيْنَا الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَسَمِعْنَا دَاعِيًا يَدْعُو إِلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَحُكْمِ الْقُرْآنِ، فَأَجَبْنَا دَاعِيَ اللَّهِ، {وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} [الأحقاف: ٣٢] . أَقْبَلْنَا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، النَّفَرُ مِنَّا عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِ زَادُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ، يَتَعَاوَرُونَ لِحَافًا وَاحِدًا. قَلِيلُونَ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ، فَآوَانَا اللَّهُ وَأَيَّدَنَا بِنْصِرِهِ، فَأَصْبَحْنَا وَاللَّهِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ إِخْوَانًا، ثُمَّ لَقِينَا رِجَالَكُمْ بِقُدَيْدٍ، فَدَعَوْنَاهُمْ إِلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَحُكْمِ الْقُرْآنِ، وَدَعَوْنَا إِلَى طَاعَةِ الشَّيْطَانِ وَحُكْمِ آلِ مَرْوَانَ فَشَتَّانَ لَعَمْرُ اللَّهِ مَا بَيْنَ الْغَيِّ وَالرُّشْدِ. ثُمَّ أَقْبَلُوا نَحْوَنَا يَهْرَعُونَ يَزِفُّونَ قَدْ ضَرَبَ الشَّيْطَانُ فِيهِمْ بِجِرَانِهِ، وَغَلَتْ بِدِمَائِهِمْ مَرَاجِلُهُ، وَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ ظَنَّهُ، وَأَقْبَلَ أَنْصَارُ اللَّهِ عَصَائِبَ وَكَتَائِبَ، بِكُلِّ مُهَنَّدٍ ذِي رَوْنَقٍ، فَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ، بِضَرْبٍ يَرْتَابُ مِنْهُ الْمُبْطِلُونَ، وَأَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، إِنْ تَنْصُرُوا مَرْوَانَ يُسْحِتَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا، وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَوَّلُكُمْ خَيْرُ أَوَّلٍ، وَآخِرُكُمْ شَرُّ آخَرٍ. يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، النَّاسُ مِنَّا وَنَحْنُ مِنْهُمْ، إِلَّا مُشْرِكًا عَابِدَ وَثَنٍ، أَوْ كَافِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ إِمَامًا جَائِرًا. يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ كَلَّفَ نَفَسًا فَوْقَ طَاقَتِهَا، أَوْ سَأَلَهَا مَا لَمْ يُؤْتِهَا، فَهُوَ لِلَّهِ عَدُوٌّ، وَلَنَا حَرْبٌ. يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَخْبِرُونِي عَنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ فَرَضَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ، فَجَاءَ تَاسِعٌ لَيْسَ لَهُ مِنْهَا وَلَا سَهْمٌ وَاحِدٌ، فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، مُكَابِرًا مُحَارِبًا لِرَبِّهِ. يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَنْتَقِصُونَ أَصْحَابِي ; قُلْتُمْ: شَبَابٌ أَحْدَاثٌ، وَأَعْرَابٌ جُفَاةٌ. وَيْحَكُمْ! يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، وَهَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا شَبَابًا أَحْدَاثًا؟ ! شَبَابٌ وَاللَّهِ مُكْتَهِلُونَ فِي شَبَابِهِمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute