سُقِيتَ كَأْسًا كُنْتَ تَسْقِي بِهَا
أَمَرَّ فِي الْحَلْقِ مِنَ الْعَلْقَمِ
وَقَدْ خَطَبَ الْمَنْصُورُ النَّاسَ بَعْدَ قَتْلِ أَبِي مُسْلِمٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تُنَفِّرُوا أَطْرَافَ النِّعْمَةِ بِقِلَّةِ الشُّكْرِ، فَتَحِلَّ بِكُمُ النِّقْمَةُ، وَلَا تُسِرُّوا غِشَّ الْأَئِمَّةِ; فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُسِرُّ مِنْكُمْ شَيْئًا إِلَّا ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ، وَطَوَالِعِ نَظَرِهِ، وَإِنَّا لَنْ نَجْهَلَ حُقُوقَكُمْ مَا عَرَفْتُمْ حَقَّنَا، وَلَا نَنْسَى الْإِحْسَانَ إِلَيْكُمْ مَا ذَكَرْتُمْ فَضْلَنَا، وَمَنْ نَازَعَنَا هَذَا الْقَمِيصَ أَوَطْأْنَا أُمَّ رَأَسِهِ خَبِيءَ هَذَا الْغِمْدِ، وَإِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ بَايَعَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ نَكَثَ بَيْعَتَنَا وَأَظْهَرَ غِشَّنَا لَنَا فَقَدَ أَبَاحَنَا دَمَهُ، وَنَكَثَ، وَغَدَرَ، وَفَجَرَ، وَكَفَرَ، فَحَكَمْنَا عَلَيْهِ لِأَنْفُسِنَا حُكْمَهُ عَلَى غَيْرِهِ لَنَا، وَإِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ أَحْسَنَ مُبْتَدِئًا وَأَسَاءَ مُعَقِّبًا، وَأَخَذَ مِنَ النَّاسِ بِنَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَانَا، وَرَجَحَ قَبِيحُ بَاطِنِهِ عَلَى حُسْنِ ظَاهِرِهِ، وَعَلِمْنَا مِنْ خُبْثِ سَرِيرَتِهِ وَفَسَادِ نِيَّتِهِ مَا لَوْ عَلِمَ اللَّائِمُ لَنَا فِيهِ، لَعَذَرَنَا فِي قَتْلِهِ، وَعَنَّفَنَا فِي إِمْهَالِهِ، وَمَا زَالَ يَنْقُضُ بَيْعَتَهُ وَيَخْفِرُ ذِمَّتَهُ حَتَّى أَحَلَّ لَنَا عُقُوبَتَهُ، وَأَبَاحَنَا دَمَهُ، فَحَكَمْنَا فِيهِ حُكْمَهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْنَا الْحَقُّ لَهُ مِنْ إِمْضَاءِ الْحَقِّ فِيهِ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ لِلنُّعْمَانِ - يَعْنِي ابْنَ الْمُنْذِرِ: -
فَمَنْ أَطَاعَكَ فَانْفَعْهُ بِطَاعَتِهِ ... كَمَا أَطَاعَكَ وَادْلُلْهُ عَلَى الرَّشَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute