بِكَاتِبٍ، فَدَخَلَ وَمَعَهُ ذَلِكَ الْغُلَامُ، فَكَتَبَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ كِتَابًا، وَجَعَلَ الْخَلِيفَةُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَتَأَمَّلُهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ اسْمِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ جَعْفَرٌ، فَقَالَ: ابْنُ مَنْ؟ فَسَكَتَ الْغُلَامُ، فَقَالَ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ مِنْ خَبَرِي كَيْتَ وَكَيْتَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الْخَلِيفَةِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ أُمِّهِ فَأَخْبَرَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَحْوَالِ بَلَدِ الْمَوْصِلِ، فَجَعَلَ يُخْبِرُهُ وَالْغُلَامُ يَتَعَجَّبُ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ، فَاحْتَضَنَهُ وَقَالَ: أَنْتَ ابْنِي. ثُمَّ بَعَثَهُ بِعِقْدٍ ثَمِينٍ وَمَالٍ جَزِيلٍ وَكِتَابٍ إِلَى أُمِّهِ يُعْلِمُهَا بِحَقِيقَةِ حَالِ الزَّوْجِ.
وَخَرَجَ الْغُلَامُ وَمَعَهُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ سِرِّ الْخَلِيفَةِ، فَأَحْرَزَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ، فَقَالَ: مَا أَبْطَأَ بِكَ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ اسْتَكْتَبَنِي فِي رَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. ثُمَّ تَقَاوَلَا، ثُمَّ فَارَقَهُ الْغُلَامُ مُغْضَبًا، وَنَهَضَ مِنْ فَوْرِهِ، فَاسْتَأْجَرَ إِلَى الْمَوْصِلِ لِيُعْلِمَ أُمَّهُ، وَيَحْمِلَهَا وَأَهْلَهَا إِلَى بَغْدَادَ إِلَى مَكَانٍ مِنْهَا أَمَرَ بِهِ الْخَلِيفَةُ. فَسَارَ مَرَاحِلَ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ أَبُو أَيُّوبَ، فَقِيلَ: سَافَرَ. فَظَنَّ أَبُو أَيُّوبَ أَنَّ هَذَا قَدْ أَفْشَى شَيْئًا مِنْ أَسْرَارِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ وَفَرَّ مِنْهُ، فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِ رَسُولًا وَقَالَ: حَيْثُ وَجَدْتَهُ فَرُدَّهُ عَلَيَّ. فَسَارَ الرَّسُولُ فِي طَلَبِهِ، فَوَجَدَهُ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ، فَخَنَقَهُ وَأَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ، وَأَخَذَ مَا كَانَ مَعَهُ، فَرَجَعَ بِهِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ، فَلَمَّا وَقَفَ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى الْكِتَابِ أُسْقِطَ فِي يَدِهِ، وَنَدِمَ عَلَى بَعْثِهِ خَلْفَهُ، وَانْتَظَرَ الْخَلِيفَةُ عَوْدَ وَلَدِهِ إِلَيْهِ وَاسْتَبْطَأَهُ، فَبَعَثَ مَنْ كَشَفَ خَبَرَهُ، فَإِذَا رَسُولُ أَبِي أَيُّوبَ قَدْ لَحِقَهُ وَقَتَلَهُ، فَحِينَئِذٍ اسْتَحْضَرَ أَبَا أَيُّوبَ، وَأَلْزَمَهُ بِأَمْوَالٍ عَظِيمَةٍ، وَمَا زَالَ تَحْتَ الْعُقُوبَةِ حَتَّى اسْتَصْفَى جَمِيعَ أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ، وَقَالَ: هَذَا قَتَلَ حَبِيبِي. وَكَانَ الْمَنْصُورُ كُلَّمَا ذَكَرَ وَلَدَهُ حَزِنَ عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute