للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ يَطْلُبْ لِقَاءَكَ أَوْ يُرِدْهُ ... فَبِالْحَرَمَيْنِ أَوْ أَقْصَى الثُّغُورِ

فَفِي أَرْضِ الْعَدُوِّ عَلَى طِمِرٍّ ... وَفِي أَرْضِ الْبَنِيَّةِ فَوْقَ كُورِ

وَمَا حَازَ الثُّغُورَ سِوَاكَ خَلْقٌ ... مِنَ الْمُسْتَخْلَفِينَ عَلَى الْأُمُورِ

وَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَإِذَا حَجَّ أَحَجَّ مَعَهُ مِائَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَبْنَائِهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَحُجَّ أَحَجَّ ثَلَاثَمِائَةٍ بِالنَّفَقَةِ السَّابِغَةِ، وَالْكُسْوَةِ التَّامَّةِ، وَكَانَ يُحِبُّ التَّشَبُّهَ بِجَدِّهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ إِلَّا فِي الْعَطَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ سَرِيعَ الْعَطَاءِ جَزِيلَهُ، وَكَانَ يُحِبُّ الْفُقَهَاءَ، وَالشُّعَرَاءَ، وَيُعْطِيهِمْ كَثِيرًا، وَلَا يَضِيعُ لَدَيْهِ بِرٌّ وَلَا مَعْرُوفٌ، وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَكَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا، إِلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا، إِلَّا أَنْ تَعْرِضَ لَهُ عِلَّةٌ.

وَكَانَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمَدَنِيُّ هُوَ الَّذِي يُضْحِكُهُ، وَكَانَ عِنْدَهُ فَضِيلَةٌ بِأَخْبَارِ الْحِجَازِ، وَغَيْرِهَا، وَكَانَ الرَّشِيدُ قَدْ أَنْزَلَهُ فِي قَصْرِهِ، وَخَلَطَهُ بِأَهْلِهِ. نَبَّهَهُ الرَّشِيدُ يَوْمًا إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَدْرَكَ الرَّشِيدَ، وَهُوَ يَقْرَأُ {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: ٢٢] فَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ. فَضَحِكَ الرَّشِيدُ، وَقَطَعَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَيْحَكَ! اجْتَنِبِ الصَّلَاةَ وَالْقُرْآنَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>