وَأَحْسَنُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يُوَضِّئُوهُ فَجَعَلُوا يُوَضِّئُونَهُ، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَيْهِمْ أَنْ خَلَّلُوا أَصَابِعِي، وَهُوَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَكْمَلُوا الْوُضُوءَ تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ.
وَقَدْ كَانَتْ وَفَاةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ حِينَ مَضَى نَحْوٌ مَنْ سَاعَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الشَّوَارِعِ، وَبَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ حَاجِبَهُ وَمَعَهُ غِلْمَانٌ يَحْمِلُونَ مَنَادِيلَ فِيهَا أَكْفَانٌ، وَأَرْسَلَ يَقُولُ: هَذَا نِيَابَةً عَنِ الْخَلِيفَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَبَعَثَ بِهَذَا. فَأَرْسَلَ أَوْلَادُهُ يَقُولُونَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ قَدْ أَعْفَاهُ فِي حَيَاتِهِ مِمَّا يَكْرَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَكْرَهُ، وَأَبَوْا أَنْ يُكَفِّنُوهُ فِي تِلْكَ الْأَثْوَابِ، وَأَتَوْا بِثَوْبٍ كَانَ قَدْ غَزَلَتْهُ جَارِيَتُهُ، فَكَفَّنُوهُ فِيهِ، وَاشْتَرَوْا مَعَهُ عَوَزَ لِفَافَةٍ وَحَنُوطًا، وَاشْتَرَوْا لَهُ رَاوِيَةَ مَاءٍ، وَامْتَنَعُوا أَنْ يَغْسِلُوهُ بِمَاءٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ ; لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ هَجَرَ بُيُوتَهُمْ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا وَلَا يَسْتَعِيرُ مَنْ أَمْتِعَتِهِمْ شَيْئًا، وَكَانَ لَا يَزَالُ مُتَغَضِّبًا عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ مَا رُتِّبَ لَهُمْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَكَانُوا عَالَةً فَقُرَاءَ، وَحَضَرَ غُسْلَهُ نَحْوٌ مِنْ مِائَةٍ مِنْ بَيْتِ الْخِلَافَةِ مَنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَجَعَلُوا يُقَبِّلُونَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَيَدْعُونَ لَهُ، وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ النَّاسُ بِنَعْشِهِ وَالْخَلَائِقُ حَوْلَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَا لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَنَائِبُ الْبَلَدِ مُحَمَّدُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute