الْمُدَّعِي أَنَّهُ فَاطِمِيٌّ، صَاحِبُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مَلَكَهَا مِنَ الْفَاطِمِيِّينَ، وَكَانَ مُلْكُهُمْ بِبِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ جَوْهَرًا الْقَائِدَ، فَأَخَذَ لَهُ الْبِلَادَ الْمِصْرِيَّةَ مِنْ كَافُورٍ الْإِخْشِيدِيِّ بَعْدَ حُرُوبٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَاسْتَقَرَّتْ يَدُ جَوْهَرٍ الْقَائِدِ عَلَيْهَا، فَبَنَى بِهَا الْقَاهِرَةَ الْمُعِزِّيَّةَ، وَنَزَلَ الْمَلِكُ الْمَكَانَ الْمُسَمَّى بِالْقَصْرَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْخُطْبَةُ لِلْمُعِزِّ فِي سِنَةِ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَدِمَ الْمُعِزُّ كَمَا ذَكَرْنَا فِي جَحَافِلَ عَظِيمَةٍ، وَمَعَهُ الْأُمَرَاءُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ وَالْأَكَابِرُ وَالْقُوَّادُ، وَحِينَ نَزَلَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ تَلَقَّاهُ وُجُوهُ النَّاسِ إِلَيْهَا، فَخَطَبَهُمْ بِهَا خُطْبَةً بَلِيغَةً افْتَخَرَ فِيهَا بِنَسَبِهِ وَمُلْكِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ يَعْدِلُ وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ رَحِمَ الْأُمَّةَ بِهِمْ، وَاسْتَنْقَذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الظَّلَمَةِ إِلَى عَدْلِهِمْ وَإِنْصَافِهِمْ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَدَّعِي ظَاهِرَ الرَّفْضِ وَيُبْطِنُ - كَمَا قَالَ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ - الْكُفْرَ الْمَحْضَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ طَاعَتِهِ وَمَنْ نَصَرَهُ وَوَالَاهُ، وَاتَّبَعَهُ فِي مَذْهَبِهِ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَإِيَّاهُ.
وَقَدْ أُحْضِرَ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ الزَّاهِدُ الْعَابِدُ التَّقِيُّ أَبُو بَكْرٍ النَّابُلُسِيُّ فَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمُعِزُّ: بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: لَوْ أَنَّ مَعِي عَشَرَةُ أَسْهُمٍ لَرَمَيْتُ الرُّومَ بِسَهْمٍ، وَرَمَيْتُ الْمُعِزِّيِّينَ بِتِسْعَةٍ، فَقَالَ: مَا قُلْتُ هَذَا، فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute