وَقَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَكُمْ بِتِسْعَةٍ، ثُمَّ يَرْمِيَكُمْ بِالْعَاشِرِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّكُمْ غَيَّرْتُمْ دِينَ الْأُمَّةِ، وَقَتَلْتُمُ الصَّالِحِينَ، وَادَّعَيْتُمْ نُورَ الْإِلَهِيَّةِ، فَأَمَرَ بَإِشْهَارِهِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ، ثُمَّ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ضَرْبًا شَدِيدًا مُبَرِّحًا، ثُمَّ أَمَرَ بِسَلْخِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَجِيءَ بِيَهُودِيٍّ فَجَعَلَ يَسْلُخُهُ، وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَأَخَذَتْنِي رِقَّةٌ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغْتُ تِلْقَاءَ قَلْبِهِ طَعَنْتُهُ بِالسِّكِّينِ، فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَقِيلَ لَهُ: الشَّهِيدُ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ بَنُو الشَّهِيدِ مِنْ أَهْلِ نَابُلُسَ إِلَى الْيَوْمِ.
وَقَدْ كَانَ الْمُعِزُّ ذَا شَهَامَةٍ وَقُوَّةٍ وَشِدَّةِ عَزْمٍ، وَلَهُ سِيَاسَةٌ، وَيُظْهِرُ أَنَّهُ يَعْدِلُ وَيَنْصُرُ الْحَقَّ، وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُنَجِّمًا يَعْتَمِدُ مَا يُرْصَدُ مِنْ حَرَكَاتِ النُّجُومِ، قَالَ لَهُ مُنَجِّمُهُ: إِنَّ عَلَيْكَ قُطْعًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَتَوَارَ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى تَنْقَضِيَ هَذِهِ الْمُدَّةُ. فَعَمِلَ لَهُ سِرْدَابًا، وَأَحْضَرَ الْأُمَرَاءَ، وَأَوْصَاهُمْ بِوَلَدِهِ نِزَارٍ، وَلَقَّبَهُ بِالْعَزِيزِ، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِمْ، فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَدَخَلَ ذَلِكَ السِّرْدَابَ، فَتَوَارَى فِيهِ سَنَةً، فَكَانَتِ الْمَغَارِبَةُ إِذَا رَأَى الْفَارِسُ مِنْهُمْ سَحَابًا سَارِيًا تَرَجَّلَ عَنْ فَرَسِهِ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِالسَّلَامِ ظَانِّينَ أَنَّ الْمُعِزَّ فِي ذَلِكَ الْغَمَامِ {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: ٥٤] ثُمَّ بَرَزَ إِلَى النَّاسِ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ، وَجَلَسَ فِي مَقَامِ الْمُلْكِ، وَحَكَمَ عَلَى عَادَتِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ عَاجَلَهُ الْقَضَاءُ الْمَحْتُومُ، وَالْحِينُ الْمَقْسُومُ، فَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute