فِي فُنُونِ الْعِبَادَاتِ، وَظَهَرَ عَلَيْهَا مِنَ الْأَحْوَالِ مَا غَبَطَهَا بِهِ زَكَرِيَّا، ﵇، وَأَنَّهَا خَاطَبَتْهَا الْمَلَائِكَةُ بِالْبِشَارَةِ لَهَا بِاصْطِفَاءِ اللَّهِ لَهَا، وَبِأَنَّهُ سَيَهَبُ لَهَا وَلَدًا زَكِيًّا، يَكُونُ نَبِيًّا كَرِيمًا طَاهِرًا مُكَرَّمًا، مُؤَيَّدًا بِالْمُعْجِزَاتِ، فَتَعَجَّبَتْ مِنْ وُجُودِ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِ وَالِدٍ; لِأَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا، وَلَا هِيَ مِمَّنْ تَتَزَوَّجُ، فَأَخْبَرَتْهَا الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ، إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ: كُنْ. فَيَكُونُ; فَاسْتَكَانَتْ لِذَلِكَ وَأَنَابَتْ وَسَلَّمَتْ لِأَمْرِ اللَّهِ وَعَلِمَتْ أَنَّ هَذَا فِيهِ مِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ لَهَا; فَإِنَّ النَّاسَ يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا بِسَبَبِهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَدَبُّرٍ وَلَا تَعَقُّلٍ، وَكَانَتْ إِنَّمَا تَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ حَيْضِهَا، أَوْ لِحَاجَةٍ ضَرُورِيَّةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا; مِنَ اسْتِقَاءِ مَاءٍ أَوْ تَحْصِيلِ غِذَاءٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ يَوْمًا قَدْ خَرَجَتْ لِبَعْضٍ شُئُونِهَا وَانْتَبَذَتْ أَيِ انْفَرَدَتْ وَحْدَهَا شَرْقِيَّ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا الرُّوحَ الْأَمِينَ، جِبْرِيلَ ﵇ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَلِمَتْ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ. وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَاسِقٌ مَشْهُورٌ بِالْفِسْقِ، اسْمُهُ تَقِيٌّ، فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَهُوَ مِنْ أَسْخَفِ الْأَقْوَالِ. قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ أَيْ خَاطَبَهَا الْمَلَكُ قَائِلًا: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ، أَيْ: لَسْتُ بِبَشَرٍ وَلَكِنِّي مَلَكٌ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَيْكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا أَيْ وَلَدًا زَكِيًّا. قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ لِي غُلَامٌ، أَوْ يُوجَدُ لِي وَلَدٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute