للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا أَيْ: وَلَسْتُ ذَاتَ زَوْجٍ، وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَفْعَلُ الْفَاحِشَةَ. قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أَيْ: فَأَجَابَهَا الْمَلَكُ عَنْ تَعَجُّبِهَا مِنْ وُجُودِ وَلَدٍ مِنْهَا، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، قَائِلًا: كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ أَيْ: وَعَدَ أَنَّهُ سَيَخْلُقُ مِنْكِ غُلَامًا وَلَسْتِ بِذَاتِ بَعْلٍ، وَلَا تَكُونِينَ مِمَّنْ يَبْغِينَ. هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أَيْ: وَهَذَا سَهْلٌ عَلَيْهِ، وَيَسِيرٌ لَدَيْهِ، فَإِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ. وَقَوْلُهُ: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ أَيْ: وَلِنَجْعَلَ خَلْقَهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، دَلِيلًا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِنَا عَلَى أَنْوَاعِ الْخَلْقِ; فَإِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ عِيسَى مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ، وَخَلَقَ بَقِيَّةَ الْخَلْقِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى. وَقَوْلُهُ: وَرَحْمَةً مِنَّا أَيْ: نَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ، بِأَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ فِي صِغَرِهِ وَكِبَرِهِ، فِي طُفُولَتِهِ وَكُهُولَتِهِ، بِأَنْ يُفْرِدُوا اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيُنَزِّهُوهُ عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالشُّرَكَاءِ وَالنُّظَرَاءِ، وَالْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ. وَقَوْلُهُ: وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ جِبْرِيلَ مَعَهَا، يَعْنِي أَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ قَضَاهُ اللَّهُ وَحَتَّمَهُ وَقَدَّرَهُ وَقَرَّرَهُ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا كِنَايَةً عَنْ نَفْخِ جِبْرِيلَ فِيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا [التَّحْرِيمِ: ١٢]. فَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، أَنَّ جِبْرِيلَ نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، فَنَزَلَتِ النَّفْخَةُ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>