للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَرَ فِي وَقْتٍ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ بِالدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ كُرْهًا، ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْعَوْدِ إِلَى أَدْيَانِهِمْ، وَخَرَّبَ الْكَنَائِسَ، ثُمَّ عَمَّرَهَا، وَخَرَّبَ قُمَامَةَ، ثُمَّ أَعَادَهَا، وَابْتَنَى الْمَدَارِسَ وَجَعَلَ فِيهَا الْفُقَهَاءَ وَالْمَشَايِخَ، ثُمَّ قَتَلَهُمْ وَخَرَّبَهَا.

وَأَلْزَمَ النَّاسَ بِإِغْلَاقِ الْأَسْوَاقِ نَهَارًا، وَفَتْحِهَا لَيْلًا، فَامْتَثَلُوا ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا، حَتَّى اجْتَازَ مَرَّةً بِشَيْخٍ يَعْمَلُ النِّجَارَةَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَلَمْ نَنْهَكُمْ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي، أَمَا كَانَ النَّاسُ يَسْهَرُونَ لَمَّا كَانُوا يَتَعَيَّشُونَ بِالنَّهَارِ، فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ السَّهَرِ، فَتَبَسَّمَ وَتَرَكَهُ. وَأَعَادَ النَّاسَ إِلَى أَمْرِهِمُ الْأَوَّلِ، وَكُلُّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِلرُّسُومِ، وَاخْتِبَارٌ لِطَاعَةِ الْعَامَّةِ، لِيَرْقَى فِي ذَلِكَ إِلَى مَا هُوَ أَطَمُّ مِنْ ذَلِكَ، لَعَنَهُ اللَّهُ.

وَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ الْحِسْبَةَ بِنَفْسِهِ، يَدُورُ فِي الْأَسْوَاقِ عَلَى حِمَارٍ لَهُ، وَكَانَ لَا يَرْكَبُ إِلَّا حِمَارًا، فَمَنْ وَجَدَهُ قَدْ غَشَّ فِي مَعِيشَتِهِ أَمَرَ عَبْدًا أَسْوَدَ مَعَهُ، يُقَالُ لَهُ: مَسْعُودٌ، أَنْ يَفْعَلَ بِهِ الْفَاحِشَةَ الْعُظْمَى جِهَارًا، وَهَذَا أَمْرٌ مُنْكَرٌ مَلْعُونٌ، لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ.

وَكَانَ قَدْ مَنَعَ النِّسَاءَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ مَنَازِلِهِنَّ، وَقَطَعَ الْأَعْنَابَ حَتَّى لَا يَتَّخِذَ النَّاسُ خَمْرًا، وَمَنَعَهُمْ مِنْ طَبْخِ الْمُلُوخِيَّةٍ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الرَّعُونَاتِ الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ وَلَا تَنْحَصِرُ.

وَكَانَتِ الْعَامَّةُ مُوتُورِينَ مِنْهُ يُبْغِضُونَهُ كَثِيرًا، وَيَكْتُبُونَ لَهُ الْأَوْرَاقَ الَّتِي فِيهَا الشَّتِيمَةُ الْبَلِيغَةُ لَهُ وَلِأَسْلَافِهِ وَحَرِيمِهِ فِي صُورَةِ قِصَصٍ، فَإِذَا قَرَأَهَا ازْدَادَ حَنَقًا عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ مِصْرَ عَمِلُوا صُورَةَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَقٍ بِخُفَّيْهَا وَإِزَارِهَا، وَفِي يَدِهَا قِصَّةٌ فِيهَا مِنَ الشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَالْمُخَالَفَةِ لَهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا رَآهَا ظَنَّهَا امْرَأَةً، فَذَهَبَ مِنْ نَاحِيَتِهَا، وَأَخَذَ الْقِصَّةَ مِنْ يَدِهَا، فَقَرَأَهَا فَرَأَى مَا فِيهَا، فَأَغْضَبَهُ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَلَمَّا تَحَقَّقَهَا مِنْ وَرَقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>