للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ازْدَادَ أَيْضًا غَضَبًا عَلَى غَضَبِهِ، ثُمَّ لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْقَاهِرَةِ أَمَرَ الْعَبِيدَ مِنَ السُّودَانِ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى مِصْرَ فَيُحَرِّقُوهَا وَيَنْهَبُوا مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْحَرِيمِ، فَذَهَبَتِ الْعَبِيدُ فَامْتَثَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ مِصْرَ قِتَالًا عَظِيمًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالنَّارُ تَعْمَلُ فِي الدُورِ وَالْحَرِيمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، يَخْرُجُ هُوَ بِنَفْسِهِ - قَبَّحَهُ اللَّهُ - فَيَقِفُ مِنْ بَعِيدٍ وَيَبْكِي، وَيَقُولُ: مَنْ أَمَرَ هَؤُلَاءِ الْعُبَيْدَ بِهَذَا؟ ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْجَوَامِعِ، وَرَفَعُوا الْمَصَاحِفَ، وَجَأَرُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتَغَاثُوا بِهِ، فَرَقَّ لَهُمُ التُّرْكُ وَالْمَشَارِقَةُ، وَانْحَازُوا إِلَيْهِمْ، فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ عَنْ حَرِيمِهِمْ وَدُورِهِمْ، وَتَفَاقَمَ الْحَالُ جِدًّا، ثُمَّ رَكِبَ الْحَاكِمُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - يَفْصِلُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَكَفَّ الْعَبِيدَ عَنْهُمْ، وَقَدْ كَانَ يُظْهِرُ التَّنَصُّلَ مِنَ الْقِصَّةِ، وَأَنَّ الْعَبِيدَ ارْتَكَبُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ، وَكَانَ يُنْفِذُ لَهُمُ السِّلَاحَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ، لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَا انْجَلَى الْحَالُ حَتَّى أُحْرِقَ مِنْ مِصْرَ نَحْوٌ مَنْ ثُلُثِهَا، وَنُهِبَ قَرِيبٌ مِنْ نِصْفِهَا، وَسُبِيَتْ حَرِيمُ خَلْقٍ كَثِيرٍ، فَفُعِلَ بِهِنَّ الْفَوَاحِشُ وَالْمُنْكَرَاتُ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُنَّ مَنْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا خَوْفًا مِنَ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ، وَاشْتَرَى الرِّجَالُ مِنْهُمْ مَنْ سُبِيَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَالْحَرِيمِ مِنْ أَيْدِي الْعَبِيدِ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: ثُمَّ زَادَ ظُلْمُ الْحَاكِمِ، وَعَنَّ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ الرُّبُوبِيَّةَ، فَصَارَ قَوْمٌ مِنَ الْجُهَّالِ إِذَا رَأَوْهُ يَقُولُونَ: يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ، يَا مُحْيِي يَا مُمِيتُ.

صِفَةُ مَقْتَلِهِ، لَعَنَهُ اللَّهُ

كَانَ قَدْ تَعَدَّى شَرُّهُ إِلَى النَّاسِ حَتَّى إِلَى أُخْتِهِ، يَتَّهِمُهَا بِالْفَاحِشَةِ، وَيُسْمِعُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>